قال الله تعالى:{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}[النمل:٢٣]، وانظر هنا! فهو لم يأته بخبر ظن، ولم يسمع من أحد، وإنما رأى بنفسه هذا الشيء، فما الذي رآه الهدهد؟ قال:{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ}[النمل:٢٣] أي: أنت رجل تحكم البلد، وهم تحكمهم امرأة، وتملكهم أي: هي ملكة عليهم.
قال:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل:٢٣]، يعني: أن الله عز وجل أعطاها من كل شيء، وهذا من العام المخصوص بالحس، أو من العام الذي لا يراد عمومه، وإنما يراد الخصوص الذي فيه، يعني: أن الله آتى هذه المرأة من كل شيء يجوز لمثلها أن تمتلكه وأن تكون ملكة عليه، لكن ليس كل شيء أعطاها، فهو لم يعطها شيئاً من الجنة مثلاً، ولكن أعطاها من الدنيا ما يليق بمثلها، إذاً: فكل من ألفاظ العموم، يقول:{كُلِّ شَيْءٍ}[النمل:٢٣]، ولكن هنا لا يراد بها العموم، وإنما يراد بها العموم المخصوص بالحس.
والحس: هو أن الإنسان يرى ببصره، ويسمع بأذنه عن أشياء لم تؤتها هذه المرأة، قال:{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}[النمل:٢٣]، وقد كانت هذه المرأة أمرت بصنع سرير لملكها، وسرير الملك يسمى بالعرش، وهو الكرسي الذي يجلس عليه الملك، ولكنها بالغت فيه مبالغة فخمة عظيمة، وقد ذكروا من الفخامة التي كان عليها هذا الكرسي: أن كثيراً منه مصنوع من الذهب والياقوت، والله عز وجل ذكر أنه:{عَرْشٌ عَظِيمٌ}[النمل:٢٣]، يعني: عرش كبير وفخم وغال جداً.