قال الله عز وجل:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}[يونس:٣٨] أم: إضرابية مقدرة ببل والهمزة، وتسمى المنقطعة، قال تعالى:((أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا))، فكيف افترى هذا القرآن؟ ولو سألنا هؤلاء الكفار هل تقدرون أن تأتوا بمثله؟ لقالوا: لا، لا نقدر أن نأتي بمثله، إذاً: فهذا القرآن معجز؟ سيقولون: نعم هو معجز، ولا نقدر أن نأتي بمثله طالما أنه معجز، إذاً: فالذي أتى بهذا القرآن أتى بمعجزة، ولا يملك شيئاً من هذه المعجزة، إنما هذه المعجزة من الله، وإنما هو رسول من رب العالمين، وليس هو الذي أتى بهذا الشيء من عنده، ولكنه من عند رب العالمين سبحانه، فلم لا تصدقون ذلك؟ فقوله تعالى:((قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)) أي: لا تملكون لي شيئاً لو كنت أكذب على الله، وكانوا يريدون ذلك، كما قال تعالى:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ}[الإسراء:٧٣] أي: نريدك أن تفتري بأي شيء تقوله في هذا القرآن فتشكر آلهتنا، ولو اتبعتهم على هذا يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا}[الإسراء:٧٣]، ولو تابعتهم على ما هم فيه:{لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}[الإسراء:٧٥].
فلو أنت فعلت ذلك وأطعت هؤلاء في بعض ما يطلبونه منك لأذقناك العذاب في الدنيا ضعفين، وحاشا له صلوات الله وسلامه عليه، وفي الآخرة ضعف العذاب لو أنك اتبعتهم في شيء بسيط مما يريدونه.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[يونس:٣٨]، وإذا كان الله عز وجل في مقام التبليغ وفي مقام التوحيد، وفي مقام إبلاغ رسالته إلى العالمين سبحانه يهدد ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يميل إلى أهوائهم فإنه يقول:{وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ}[النساء:١١٣] أي: لا يضرونك طالما أنت معتصم بالله عز وجل، ولا يضرون إلا أنفسهم، فاحذر أن تتبعهم وقد عصمناك منهم، وحفظناك ودافعنا عنك، وإلا فلن تملك لنفسك منا شيئاً، وهم لا يملكون لك من الله شيئاً.
وقوله تعالى:{هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ}[يونس:٣٨]، أي: الذي تخوضون وتندفعون فيه من كلام باطل.
وقوله:{كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}[الأحقاف:٨]، يشهد علي ويشهد عليكم، قال تعالى:{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[الرعد:٤٣] أي: لا أحتاج إلى أحد من البشر أن يشهد لي بأني بلغت، تكفيني شهادة رب العالمين سبحانه، فالشهيد يراقبني ويراقبكم، ثم يحكم بيني وبينكم يوم القيامة، قال تعالى:((وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))، ففضل الله عظيم سبحانه، فالمقام هنا مقام تهديد ووعيد ومع ذلك يختم سبحانه بآية الرحمة ويقول:((وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) أي: لو تبتم إلى الله ودخلتم في دينه لغفر لكم ورحمكم، والغفور مشتق من الغفر، والغفر: الستر، يعني: أن الله يستر ذنوبكم، ويمحوها ويغفرها بفضله وكرمه سبحانه، وهو الرحيم، قال تعالى:{وكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب:٤٣].
فرحمته سبحانه لمن مات على التوحيد، ولمن دخل في دين الله عز وجل وأسلم نفسه ووجهه لله.