[بعض الأحكام المستنبطة من قوله تعالى:(ولا يأتل أولوا الفضل)]
لقد أخذ أهل العلم من الآية مع ما ورد في الأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن الذي يحلف على شيء أنه لا يفعله فرأى أن فعله أولى فعليه أن يرجع عن هذا الحلف، ويفعل هذا الذي حلف ألا يفعله، ويكفر عن يمينه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إني والله لأحلف على شيء فأرى غيره خيراً منه إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)، فالإنسان إذا حلف على ألا يعمل كذا ثم وجد أن ما حلف على تركه واجب عليه، وهو آثم بتركه، كأن يحلف أن يقطع الرحم، فهنا يحرم عليه قطيعة الرحم، ويجب أن يصل الرحم ويكفر عن هذه اليمين.
وفي الحديث (لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه)، أي: لأن يصر في يمينه، كمن يغضب ثم يقسم أن يفعل المعصية، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبره أن الإصرار على هذه اليمين أشد إثماً من أن يرجع في يمينه ويكفر عنها.
قال الفقهاء: من حلف ألا يفعل سنة من السنن وأقسم على ذلك، جُرحت عدالته، وردت شهادته؛ لأن الله عز وجل ينهانا أن نحلف على فعل شيء باطل لا يجوز {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[النور:٢٢]، ولذا ينبغي ألا تحلف على منع خير، فلو أن إنساناً حلف على منع خير وجب عليه أن يفعل الخير، وأن يكفر عن هذه اليمين.
وأما إذا كان على التأقيت كأن يقسم ألا يصوم يوماً بعينه وصيامه نافلة، فلا يفسقه ذلك، ولا ترد شهادته بذلك، إنما الذي يفسق الإنسان أن يحلف أنه لا يفعل سنة للنبي صلى الله عليه وسلم أبداً، فهذا جارح قوي فيه، وقد تصل التهمة في الإنسان الذي يقسم على ترك سنه إلى الكفر والعياذ بالله، إذا كان يرفض سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أصلها، كأن يأخذ بالقرآن ويترك سنة نبيه صلى الله عليه وسلم رافضاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه قد أمرنا بأخذ القرآن والسنة، فقال:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٤]، فكل ما يلفظ به النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة هو وحي من عند الله، فمن رد السنة كأنه يرد الوحي من عند الله، والله أعلم.