يقول الله سبحانه تبارك وتعالى:{قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ:٢٥] أي: قل لهؤلاء لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، ولا حجة بيننا وبينكم لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ وأنتم ستسألون عما تفعلون ونحن نسأل عما نعمل.
{قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا}[سبأ:٢٥] أجرم الإنسان: وأصله من الجرم، والجرم هو الجريمة أو الذنب، وقد يأتي الجرم بمعنى: الكسب، ومنه قول الله عز وجل:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:٢].
(لا يجرمنكم) أي: لا يدفعنكم هذا لعمل الخطأ، فلا يدفعنكم لكسب شيء تخطئون فيه، فأجرم في كذا واجترم بمعنى: كسب، وكثيراً ما تكون في الشر بمعنى اكتساب الذنب، وهنا تفنن القرآن في ذكر المعنيين، قال تعالى:{قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا}[سبأ:٢٥] أي: عما كسبنا في زعمكم من شر، وعما فعلناه من شرور فلا تسألون عن ذنوبنا.
قال تعالى:{وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ:٢٥] ويظهر فيها التلطف فلم يقل: عما تجرمون وإنما قال: {وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ:٢٥]، ولو أنه قال لهم: عما أجرمتم فسيعرضون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهم ذلك تلطفاً لعلهم يدخلون في دين الله.
وقد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة، وهو يتلطف لهم في القول صلوات الله وسلامه عليه، ويزدادون تعنتاً، وقام بواجبه على أكمل وجه، ولم يؤمن معه من هؤلاء من أهل مكة إلا العدد القليل من أهل مكة، فلما هاجر إلى المدينة فتح الله عز وجل له القلوب والعقول ودخلوا في دين الله سبحانه تبارك وتعالى، فتعلموا العلوم العظيمة من دين رب العالمين، فصار للإسلام قوة بعد ذلك، فلم ينفع مع المشركين إلا القوة بعد ذلك، والجهاد في سبيل الله سبحانه.
فقد عاملهم بالرأفة والرحمة واللطف والدعوة إلى الله سبحانه، ولكنهم تعنتوا معه صلى الله عليه وسلم ولم يدخلوا في دينه، بل منعوا الناس عن الدخول مع النبي صلوات الله وسلامه وتهددوه وخوفوه، فأخبر ربنا سبحانه تبارك وتعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الكفار أنكم مسئولون عن أفعالكم ونحن مسئولون عن أعمالنا أيضاً، ما اكتسبناه فهو لنا وما اكتسبتموه فهو عليكم، لا نسأل عن أعمالكم ولا تسألون عن أعمالنا.