قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}[النور:٢٣]، فمن صفاتها: أنها مؤمنة عفيفة غافلة عن هذا الكلام الفارغ الذي يقال عنها، وحكم المحصن أيضاً نفس هذا الشيء، فكما أن العفاف موجود في النساء، فهو كذلك موجود في الرجال، فالذين يرمون هؤلاء لعنوا في الدنيا والآخرة، أي: استحقوا اللعن، وهو الإبعاد عن رحمة الله سبحانه وتعالى.
والمقصود بالذين يرمون المحصنات: إما المنافقون، فهم ملعونون في الدنيا والآخرة؛ لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، ولذلك لن يدخلوا الجنة أبداً، فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار لكفر قلوبهم.
أو: أنهم الفسقة والمجرمون، فعلى ذلك ستكون اللعنة والطرد من رحمة رب العالمين سبحانه إلى حين، فهناك فرق بين لعن الكافر ولعن المنافق ولعن الإنسان الذي هو على التوحيد، فقد يخلد في النار كما يخلد القاتل نفسه في نار جهنم إلى ما يشاء الله سبحانه وتعالى، ولكن خلود هذا الموحد دون خلود الكافر، فالكافر خالد مخلد فيها أبداً بلا خروج، وأما عصاة الموحدين وإن أتوا من الكبائر ما أتوا فسيدخلون نار جهنم إلى ما يشاء الله سبحانه، فإذا أخبر أنهم ملعونون، أو أنهم خالدون، فخلودهم أقل من خلود الكفار وإن كان مدة طويلة جداً لا تحصى، نسأل الله العفو والعافية.
إذاً: فهؤلاء الذين يقذفون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة، فهم ملعونون مطرودون من رحمة الله سبحانه في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا وقعت عليهم لعنة من يلعن أمثالهم، فهو يقول: لعنة الله على الذين يرمون المحصنات الغافلات، فيستجاب لمن يدعو عليهم بذلك، وفي الآخرة يطردهم الله عز وجل من رحمته ويدخلهم نار جهنم والعياذ بالله، وقد يكون ذلك في الكفار -كما ذكرنا- والمنافقين فهو خلود أبدي، وقد يكون في عصاة الموحدين فهو خلود دون خلود، وقد يكون هذا لمن أصر على ذلك ومات عليه، وقد يكون الإنسان وقع في هذا الجرم ولكنه تاب إلى الله سبحانه وتعالى، فأمره إلى الله سبحانه إن شاء عذبه وإن شاء رحمه سبحانه وتعالى، ولكن لا بد من القصاص، فيقتص للمؤمن أو المؤمنة الذي وقع هذا الإنسان فيهما، فيحبسون حتى ولو كان هذا الإنسان من أهل الجنة، حتى ولو كانت له أعمال صالحة تدخله الجنة، فيحبس على جسر قبل الجنة حتى يقتص هذا الآخر منه، فيأخذ من حسناته ما يشاؤه الله سبحانه وتعالى، فالإنسان إذا تاب إلى الله عز وجل تاب الله عليه، لكن في حقوق الآدميين لا بد من القصاص، فإن لم تكن عنده حسنات أخذ من سيئاتهم فوضعت عليه، وذلك حتى يقتص لحقوق الآدميين.
قال الله سبحانه عن هؤلاء:{لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:٢٣] يعني: يوم القيامة لهم العذاب العظيم، وقد يكون العذاب في الدنيا أيضاً كما في الآخرة.