[معنى قوله تعالى:(ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)]
قال:{لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم:٣٠] أي: أن هذه الأوامر والنواهي، وهذه المعتقدات التي يذكرها الله عز وجل إنما هي ذكر لكم في دينكم، {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم:٣٠] أي: المليئ بالقيم، فكله عظمة من عند رب العالمين سبحانه، {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم:٣٠] يعني: المستقيم الذي لا انحراف فيه ولا اعوجاج.
قال:{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم:٣٠] قالوا: الدين بمعنى: الشريعة، وقالوا أيضاً الدين بمعنى: الجزاء، ومنه قول الله عز وجل:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:٤]، ولذلك فإن الدين القيم هنا بمعنى: الشريعة المستقيمة، وقد يكون أيضاً بمعنى: هذا الجزاء من الله عز وجل الذي يجازي به خلقه يوم القيامة، فهو الجزاء العادل من الله سبحانه وتعالى، أو هو ذلك الحساب البين من الله سبحانه.
قال:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الروم:٣٠]، وإن علموا فعلمهم بلا عمل، فتجد الإنسان يعلم بالجنة ويعلم بالنار ثم لا يعمل من أجل الجنة ولا يخاف من النار، فهذا هو العلم غير النافع، وهو كالإنسان الذي تعلم أشياء في الدراسة ودخل الامتحان ولم يكتب شيئاً، فإنه لا ينفعه هذا العلم أبداً.
فلذلك يقول:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الروم:٣٠]، وقال لنا في أول السورة:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الروم:٧] إذاً: فعلم الإنسان عن الآخرة مجرد سماع، أما اليقين الذي يدفعه إلى العمل ويمنعه من الزلل فليس بموجود حتى في قلوب أكثر الناس، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الروم:٣٠].
فالعلوم التي يتعلمونها هي علوم الحياة الدنيا، فيعرفون كيفية الزراعة والحصاد، ومتى تكون مواسم الزراعة، ومواسم كذا، ومواسم كذا، فهم يعرفون ويتعلمون أمور الدنيا، فتجدهم يتخصصون أدق التخصصات، لكنهم إذا جاءوا إلى العقيدة وإلى رب العالمين سبحانه إذا بهم يلعبون، ولا يعرفون شيئاً، فلا ينفعهم علمهم هذا بشيء في الآخرة، قال:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الروم:٣٠].