للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم)]

وقالوا أي: هؤلاء الكفار: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف:٢٠] يحتجون بالقضاء والقدر، على وجه التهكم، والسخرية، يقول هؤلاء الكفار: نحن عبدنا الأصنام، وربنا يريد ذلك، من أجل ذلك تركنا، {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف:٢٠] فأرجعوا الأمر لمشيئة الله عز وجل، وهذا كلام حق، أريد به باطل، فالإنسان قد يتكلم بالباطل، وهو يعرف أنه باطل، وقد يتكلم بالحق في غير موطنه وغير موضعه.

مثل الإنسان الذي يسرق، ثم يقول: لو شاء الله ما سرقت، نعم لو شاء الله لمنعك من ذلك، ولكن الله سبحانه وتعالى قدر أشياء في الغيب عنده سبحانه وتعالى، ومما قدره أن تكون لك مشيئة، واختيار، قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠] فأنت في الوقت الذي تمد يدك على مال الغير، أنت مريد لذلك، وأنت الذي اكتسبت ذلك، والله يحاسبك على كسبك، وعلى اختيارك، فلا تحتج بالقدر، ولا تقل: قدر الله على ذلك، لكن أعد السرقة لصاحبها، وانظر هل سيمنعك الله من ردها أو لن يمنعك؟ فأنت حين تمد يدك على كوب الماء لترفعه، تعرف أنك أنت الذي تفعل ذلك، وتعلم أن الله قدرك عليه، وحين تضعه تعلم أنك أنت الذي تفعل، وأن الله قدرك عليه، لماذا احتججت عندما وضعته على فمك أن الله هو الذي فعل وعندما تركته أنك أنت الذي فعلت، لماذا احتججت في واحد احتجاجين.

والله شاء أن تكون لك مشيئة، فبمشيئتك واختيارك تكسب الخير، والشر، وهذا الذي يجزيك الله عز وجل عليه، فالكفار عندما يقولون: لو شاء الله ما عبدناهم، هذا كلام صحيح فالله عز وجل: {خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:٢] ولكن حين تعبد الأصنام، ألست مختاراً لذلك، وحين تترك ذلك، ألست مختاراً لذلك، هذا الاختيار الذي عندك هو من مشيئة الله عز وجل، وأن تكون مختاراً، شاء أن تكون مريداً، فالله عز وجل هو الذي مكنك من أن تفكر، وأن تعقل، وأن تمشي شمالاً أو يميناً، فعلى ذلك لا تحتج بالقضاء والقدر على المصيبة وعلى الذنب الذي تفعله.

فالإنسان متى يحتج بالقضاء والقدر؟ حين يتوب إلى الله عز وجل، يقول: قدر الله وما شاء فعل، ولكن وهو يفعل المعصية، يمد يده إلى الشر، ويقول الله يريد هذا الشيء، اترك الشر وابتعد عنه، وانظر هل تمنع أو لا تمنع؟ فأنت الذي اخترت، وأنت الذي فعلت، وأنت الذي تجزى على فعلك وكسبك.

فكأنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم عبادة الأصنام صحيحة، ولو لم تكن صحيحة لما تركنا الله، ولأنزل علينا عذاباً من السماء، قال الله عز وجل: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف:٢٠] أي: هؤلاء جهلة، {إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف:٢٠] أي: هم يكذبون على الله سبحانه وتعالى، فإذا فعلوا الشر قالوا: ربنا الذي أمرنا بهذا، وإذا فعلوا الخير، قالوا: نحن الذي فعلنا هذا الشيء.

فالله سبحانه وتعالى يقدر الأقدار، ويدل العباد على الخير، والشر، وأنت باختيارك تختار وتكسب فيجزيك الله عز وجل على اختيارك، وعلى ما اكتسبته لنفسك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>