[تفسير قوله تعالى:(وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين)]
قال الله عز وجل في سورة المؤمنون:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}[المؤمنون:٩٧ - ٩٨].
لما أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يدفع بالتي هي أحسن السيئة، وقال:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[المؤمنون:٩٦]، وهذا في الآية يقصد فيما بينه وبين شياطين الإنس فقال:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}[المؤمنون:٩٦]، أي: من أساء إليك بإساءة فادفع سوءه بالحسنى؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يهدي هذا الإنسان، ولعله يراجع نفسه ويعلم أنه ظالم فيرجع إلى الحق الذي أنت عليه، وهذا الأمر إنما يكون إلى قدر معين، فإذا ازداد الأمر فقد أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بجهاد أعداء لله سبحانه وتعالى.
فهو يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا استجابوا فكان بها، فإن لم يستجيبوا وأصروا على الإعراض والكفر وإنكار ما يقوله والاستهزاء به، فقد أمر بأن يجاهدهم صلوات الله وسلامه عليه بالسيف والسنان.
وقوله سبحانه:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[المؤمنون:٩٦]، يفيد أن هناك أحسن وهناك حسن، فما قال: ادفع بالحسن السيئة، ولكن ادفع بالتي هي أحسن، فهناك حسن وهناك أحسن منه، فادفع بأفضل الأشياء وأحسنها، وادفع سيئات هؤلاء لعلك تؤثر في قلوبهم فيستجيبون لك، قال تعالى:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[المؤمنون:٩٦]، أي: بما يكذبون عليك وبما يشركون بالله سبحانه تبارك وتعالى.
قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}[المؤمنون:٩٧ - ٩٨]، والإنسان في وقت غضبه قد يأتيه الشيطان فينفخ فيه ويدفعه لأن يرد الإساءة بالإساءة، فقال الله لنبيه:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}، فإذا ابتلي الإنسان بمن يسيء إليه فليدفع سوءه بالحسنى، وليتعوذ بالله عز وجل من الشيطان الرجيم، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في حالة الغضب أن نقول:(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وقد جاء (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غضب واشتد غضبه واحمر وجهه، فقال: إني لأعلم كلمة لو قالها هذا ذهب عنه الذي فيه، قالوا: ما هي؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
فالإنسان الغضبان إذا تعوذ بالله من الشيطان الرجيم أذهب الله عنه ثورة غضبه، ولم يجعله يندفع ويتهور في هذا الغضب.
لذلك ذكر الله رسوله بأمرين: الأول: أن يدفع بالتي هي أحسن؛ لأن الشيطان ينزغ في نفس الإنسان المؤمن حينما يرى عدوه يسيء إليه، فدفع الإنسان لابد أن يكون بالتي هي أحسن، فإن لم يجد ذلك فالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وذلك مع الإنس، أما مع شياطين الجن فلا حيلة معهم إلا أن يلجأ العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وربه هو الذي سيعصمه، وقد أخبر الله أن كيد الشيطان كان ضعيفاً، فإذا لجأت إلى الله صرف عنك الشيطان.
قوله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ}، أي: أتعوذ بك وألجأ إليك، وأستجير بك وأستغيث بك من همزات الشياطين، أي: وسوسة الشياطين.