يخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات من سورة الفرقان عن قوم يحشرهم الله يوم القيامة على وجوههم، وهم الكفار الذين كذبوا بآيات الله سبحانه وكفروا بلقائه، فأخبر أن حشرهم يوم القيامة يكون كذلك:{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ}[الفرقان:٣٤].
فالإنسان يوم القيامة يبعثه الله عز وجل من قبره ويحشره إلى يوم القيامة، ويجمع الله عز وجل الخلق كلهم فيقفون في صعيد واحد، فإذا انتهى الحساب، يساق أهل النار إلى النار، ويدخل أهل الجنة الجنة، فأهل النار يدخلون النار على هذا الحال والعياذ بالله، إذ يحشرون على وجوههم إلى جهنم، فيدفعون ويكبون على وجوههم، فيتقون النار بوجوههم والعياذ بالله.
جاء في حديث الصحيحين من حديث أنس بن مالك: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟) بلى، فالله على كل شيء قدير.
فالإنسان في الدنيا يتقي الأشياء بكفه، وسمي الكف كفاً؛ لأنه يكف بها عن نفسه، أي: يدفع بها عن نفسه، فعندما يسقط يتكئ بيده، وعندما ترميه بحجر يتقيها ويكفها بيده، أما في نار جنهم فلا يقدر على ذلك، وإنما يكف عن نفسه بوجهه، فيمشي في نار جهنم وبدلاً من المشي على رجليه يزحف على وجهه، والله على كل شيء قدير، فهؤلاء الكفار الذين كذبوا في الدنيا، وأعرضوا عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وجادلوا بالباطل، هذا مصيرهم يوم القيامة، فهم يحشرون على وجوههم إلى جهنم، قال تعالى:{أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا}[المائدة:٦٠]، يعني: هذا المكان الذي هم فيه هو شر مكان، فهو المكان الرديء الخبيث، وهو المكان الذي يستحقونه:{جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:٢٦].
وإذا كان هؤلاء شر مكاناً فإن أهل الجنة هم خير مكاناً، فإن الله عز وجل يكرمهم ويحشرهم إلى الجنة ركوباً أو مشياً، أو كما يشاء الله سبحانه وتعالى، فيدخلهم جنته بفضله وبرحمته، أما أهل النار فإن الله يقول فيهم:{أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة:٦٠].
فهم شر في المكان وأضل عن السبيل، أي: ابتعدوا عن الطريق الحق، ولم يمشوا في طريق الهدى، فتاهوا وضلوا، وكذلك أضلهم الله عز وجل عن طريق الجنة، فإذا بهم يدخلون النار، فهم أضل عن السبيل في الدنيا، وأضل يوم القيامة، فيضلون طريقهم فيذهبون إلى النار.