[عظم أجر الذهاب إلى المساجد والمرابطة فيها]
ووجود الإنسان المؤمن في بيت الله عز وجل فيه أجر عظيم جداً حتى ولو كان جالساً لا يصلي، فلو كان جالساً ينتظر الصلاة أو في عقب الصلاة فله أجر عظيم، بل في مشيه إلى بيت الله سبحانه الأجر العظيم، كما جاء في الأحاديث، ومنها ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه)، وهنا: أن أجر الذي يأتي إلى الصلاة المكتوبة كأجر الحاج المحرم، وليس معنى هذا أنه يغني عن الحج، ولكنه أجر يماثل أجر الحاج المحرم.
قال: (ومن خرج إلى تسبيح الضحى) أي: وقت صلاة الضحى، ليصلي ركعتين في المسجد.
قال: (لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين).
فقوله: (وصلاة على إثر صلاة) أي: صليت الصبح وبعد ذلك رجعت إلى بيتك ثم جئت في صلاة الظهر بشرط ألا تلغو بين الصلاتين، أي: لا تضيع الوقت في كلام فارغ، أو أشياء تأثم عليها أو أشياء مكروهة، فإذا حفظت لسانك فيما بين الصلوات كتب لك كتاب في عليين، أي: أعلى الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.
وجاء في الحديث: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، ومشاء: غير معنى ماش؛ فالماشي قد يمشي مرة أو مرتين، لكن المشاء: هو المداوم على المشي، فهو يواظب على صلاة الفجر، ويواظب على صلاة العشاء في بيت الله عز وجل، فلا يمتنع من ذلك بزعم: أن الدنيا مظلمة، والجو بارد، أو الجو حار، بل يأتي بيت الله عز وجل في كل وقته، خاصة في أوقات الظلم: الفجر والعشاء، فالذي يأتي في الظلام إلى بيت الله سبحانه فليبشر بنور تام يوم القيامة، والنور التام هو عكس النور الناقص، والإنسان يوم القيامة قد يكون له نور يضيء أمامه ما يشاء الله سبحانه، وقد تكون أمامه ظلمات يوم القيامة، فالله عز وجل ينيرها لأصحابها بصلاتهم، وبإتيانهم المساجد في وقت الظلم: في الفجر وفي العشاء.
وبعض الناس يتقد له النور ويخبو مرة على قدر عمله، وعلى قدر قربه من الله عز وجل؛ ولأنه ابتعد وعصى، فيتقد له نور يرى به قليلاً ثم ينطفئ النور ويظلم عليه، ويتقد مرة أخرى وبعد ذلك يظلم عليه، لكن أهل صلاة الفجر وصلاة العشاء لهم نور تام كامل لا يخبو ولا ينطفئ، وذلك بمواظبته على الصلاة في هذين الوقتين: في العشاء وفي الفجر.
قوله: (بشر المشائين) أي: المواظبين على صلاة الفجر، (بالنور التام يوم القيامة).
وقد جاء كذلك في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح).
و (النزل): هو طعام الضيف، فتقول: فلان نازل عندي، أو: جهزت له نزله، أو: جهزت له القرى -وهو طعام الضيف- فكأن هذا الذي يغدو إلى بيت الله عز وجل في الصباح، أو يروح وقت العشي ونحوه، كالضيف لله عز وجل، فالله يجهز له في الجنة نزله وطعامه، فالله عز وجل يتفضل على زائر مساجده بأن يعطيه من فضله ورحمته في جنته.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا من فضله ومن رحمته، وأن يجعلنا من أهل عليين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.