[اختلاف المفسرين في معنى (يس)]
جاء حديث ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (أن له عند ربه عشرة أسماء من ضمنها طه ويس) وهذا لا يصح عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولم يصح أنها من أسمائه صلى الله عليه وسلم.
وذكر البعض أن ((يس)) كلمة عند العرب معناها: يا رجل! مثل كلمة (طه) ولكن الراجح فيها: أن {يس} [يس:١] حرفان مقطعان من حروف اللغة العربية يتحدى الله عز وجل بهما الكفار، بأن يأتوا بكتاب مثل هذا الكتاب العزيز من جنس هذه الحروف التي يقرءونها ويختمون بها، وما استطاع أحد من فحول بلغاء العرب وفصحائهم أن يأتي بمثل ذلك، ولن يقدروا أبداً أن يأتوا بمثل ذلك.
ومن الناس من يحاول أن يأتي بكلام يشبه كلام الله فيأتي بكلام سخيف يضحك منه الناس، ومن هؤلاء الكذابين مسيلمة الكذاب الذي يزعم أنه نزل عليه وحي من السماء وقال كلاماً سخيفاً شهده عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان ممن سمعه، وقال له: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب، ومن يتبعه كانوا يقولون: ولكن كذاب اليمامة خير عندنا من صادق قريش.
والغرض أن ربنا سبحانه وتعالى يتحداهم بهذه الحروف التي في أول السور، وغالباً إذا جاءت هذه الحروف يذكر الله عز وجل القرآن أو إشارة إلى القرآن بعدها إلا في مواضع يسيرة، وقد أشار إلى القرآن بعدها بآية، فإذا قال: {الم} [البقرة:١] قال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢].
{الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [آل عمران:١ - ٣].
فأي سورة فيها هذه الحروف المقطعة يشير بعدها إلى هذا القرآن، بياناً منه سبحانه أن هذا القرآن من جنس هذه الحروف، ولكن لا يستطيع أحد أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولن يستطيع أحد أن يأتي بمثله، إلا أن يكون إنساناً مفترياً كذاباً من كفرة أمريكا وغيرهم، أو رجلاً يهودياً من يهود فلسطين يأخذ من آيات الله ما أراد، فيأخذ من هذه الآيات كلاماً، ويضع بدلاً عنه كلاماً من كلامه السخيف، ويؤلف كلاماً جديداً ويقول: هذه سورة الإنجيل، وهذه سورة التوراة، وهذه سورة كذا، لعنة الله عليه وعلى أمثاله.
وقد أنزلوها مترجمة يوزعونها على أتباعهم هناك أو على من يأخذ منهم ذلك، والمسلمون في غفلة عن ذلك؛ لكن من يطلع على هذا الكلام وينظر إلى ركاكته يعرف أن هذا القرآن العظيم محفوظ من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه كلام الله الحكيم، قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود:١].
هذا هو القرآن الذي أعجز الخلق برصانته ومتانته وبلاغته وفصاحته وشريعته، ومن يسمع كتاب الله يسمع نغماً عظيماً جميلاً، أعجز الأطباء الذين يعالجون الأمراض النفسية في أمريكا بالموسيقى، ويسمونه الطب بالسماع، فلما جربوا سماع القرآن وعالجوا به هؤلاء المرضى، وجوده أعلى ما يكون من تأثير إيجابي في نفسية المريض.
فعلى المؤمن أن يتعلم ويعرف ما في القرآن وما في السنة حتى يرد على هؤلاء الكفرة المجرمين الذين {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:٣٢].
قال الله عز وجل: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس:١ - ٢].
أقسم الله عز وجل بهذا القرآن الحكيم، وكما ذكرنا قبل ذلك أن الحكيم من أسماء الله عز وجل، ووصف بها كتابه سبحانه وتعالى، فهو كلامه سبحانه، وهو كلام حكيم رصين، فيه الحكمة وفيه الحكم، وهو كلام محكم، أحكمه الله سبحانه وأتقنه، وأتانا بأحسن القصص فيه وأعظم الكلام وأعظم الموعظة وأعظم الشرائع.
و (حكيم) صيغة مبالغة من حاكم، فهو كتاب حاكم مصدق لما بين يديه من الكتاب، ومهيمن شاهد على الكتب السابقة، فهو حكيم بمعنى حاكم، يعني: يحكم بين العباد.
إذاً: هذا الذكر مصدقٌ لما بين يديه من الكتاب، ومهيمن عليه، ليحكم الرسول بين الناس به، فهو كتاب حكم وحاكم يحكم بين الناس ويحكم به.
إذاً: القرآن الحكيم: القرآن ذو الحكمة، والقرآن المحكم، والقرآن الحاكم، والقرآن الذي لا خلل فيه ولا زلل ولا خطأ، وما من كتاب إلا ويوجد فيه أخطاء مهما راجعه صاحبه، ولذلك الإمام الشافعي رحمه الله لما ألف كتاباً وأرسله إلى ابن مهدي قال: هذا كتابي وأعلم أن فيه أخطاء فصوبها، فإني لا أدري أين هي؟ فإن الله عز وجل ذكر في كتابه فقال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢]، أي: فكل كتاب من عند غير الله لابد وأن يكون فيه الاختلاف، ولا بد وأن يكون فيه الخطأ، إلا كتاب الرب سبحانه وتعالى، فهو الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
قوله تعالى: {وَالْقُرْآنِ} [يس:٢] هذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير إذا وصل، وحمزة إذا وقف: (والقران).
وأيضاً عند بعض القراء أنهم يقفون على الساكن قبل الهمزة بخلفهم منهم حفص ومنهم حمزة ومنهم إدريس ومنهم ابن ذكوان فيقرءون (والقرآن الحكيم).