تفسير قوله تعالى:(ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً وجاهدهم به جهاداً تكبيراً)
قال تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[الفرقان:٥١ - ٥٢]، في هاتين الآيتين إشارة جميلة للنبي صلى الله عليه وسلم إلى قدره العظيم عند رب العالمين سبحانه، فقد ذكر المطر أولاً وهو خير عميم ينزل من السماء، فقال سبحانه:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ}[الفرقان:٥٠]، أي: يرسل المطر إلى هذه القرية وإلى غيرها وغيرها، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كل الخلق، ففي هذه الآية إشارة جميلة إلى أنه صلوات الله وسلامه عليه رحمة للعالمين جميعهم، كما أن المطر رحمة لمن ينزل عليهم، فأشار سبحانه إلى المطر وإلى إرساله إلى أقوام، ومنعه على أقوام، ثم أشار إلى إرساله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق جميعهم إنسهم وجنهم إلى قيام الساعة، فقال له:{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ}[الفرقان:٥١]، أي: كما نزلنا المطر على قرى ومنعنا منه قرى فلو شئنا لفعلنا مثل ذلك وأرسلنا إلى كل قرية رسولاً، ولكن جعلناك أنت رحمة للعالمين جميعهم، فأرسلناك إلى الخلق جميعهم.
قال تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا}[الفرقان:٥١]، أي: ينذرهم، ولكن جعلناك وحدك لنرفع درجاتك، وجعلناك رحمة للعالمين.
قال تعالى:{فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ}[الفرقان:٥٢]، وقد كان الحمل ثقيلاً على النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:٥]، والمسئولية عظيمة عليه عليه الصلاة والسلام، ولكن كان الله يعينه عليها، وقد جعله وحده يدعو إلى الله، فبدأ الإسلام غريباً به وحده صلوات الله وسلامه عليه حتى هدى الله عز وجل به من شاء من خلقه، وقال له:{فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ}[الفرقان:٥٢]، أي: أنهم يريدون أن يصرفوك عما أوحينا إليك، ويريدون إبعادك عن الدعوة إلى الله سبحانه، فاحذر أن تطيعهم في شيء.
وهذه السورة سورة مكية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الأعوام التي كان فيها في مكة يؤذى ويضطهد ويمنعه الكفار من الدعوة إلى الله عز وجل، ويمنعون الناس من سماعه عليه الصلاة والسلام، فيقول له ربه: لا تطع هؤلاء الكافرين، {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ}[الفرقان:٥٢]، أي: بهذا القرآن {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[الفرقان:٥٢]، يعني: بلغ هذا الدين العظيم، وبلغ ما أوحينا إليك من القرآن، وعلم الناس، ومهما أرادوا منعك فلا تطعهم، ولكن جاهدهم به جهاداً كبيراً.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.