عدم اتخاذ المساجد طرقاً والحرص على نظافتها
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلاً، فيقال: لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة) رواه الدارقطني، وقال الألباني: حديث حسن.
قوله: (أن يرى الهلال قبلاً) قبلا: بفتحتين، ومعناه أنه يرى الهلال كبيراً، والهلال في أول ليلة من الشهر يرى صغيراً جداً ولا يكاد يراه إلا القليل من الناس، ويختفي سريعاً، ولكن من علامات الساعة أنه يكبر في أول ليلة من الشهر، فيظن الناس أنه قد طلع قبل تلك الليلة ولم ينتبهوا له! قال: (وأن تتخذ المساجد طرقاً) هذا من أشراط الساعة، فالمسجد يكون طريقاً للناس، فيدخل الرجل المسجد ليمر منه ولا يصلي، وإنما يدخل لحاجة وينصرف، وكأن المسجد شارع وليس هو بيت الله سبحانه! قال: (وأن يظهر موت الفجأة) يعني: يكون الرجل قاعداً صحيحاً وفجأة يموت، وهذا يحدث كثيراً، ومن الماضي كان يحدث ولكن يكون في آخر الدنيا موت أكثر الناس كذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (موت الفجأة أخذة أسف).
وهذا للإنسان الفاجر يعني: أن الله عز وجل يعاجله بالعقوبة ولا يعطيه فرصة ليتوب إليه سبحانه، وقد كان الصحابة يفرحون إذا مرض الإنسان قبل أن يموت، ويحبون أن يمرض شهراً أو شهرين أو أكثر من ذلك أو أقل؛ لأن المرض كفارة، فيكفر المرض من ذنوب الإنسان، فإذا مات بعد ذلك لعله يموت مغفوراً له، فإذا غضب الله على عبد فإنه لا يترك له فرصة ليتوب، ويأخذه فجأة، قال الله: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس:٢٤]، وفي الحديث: (إن الله يملي للفاجر حتى إذا أخذه لم يفلته) أي: يتركه يعلو ويعلو ويعلو وفجأة يأخذه فلا يفلته، يقبضه الله عز وجل ليعذبه على جميع ذنوبه، ولا يجعل له شيئاً من الكفارات، فمن أشراط الساعة أن يكثر شرار الخلق، فيكثر فيهم موت الفجأة.
وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)، وهذا إذا كانت أرض المسجد تراباً، فإذا كان المسجد مفروشاً بسجاد فلا يحل لأحد أن يبصق عليه، فإذا فعل وجب عليه أن يطهر ذلك المكان من أثر ذلك.
وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم قال: (عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق)، فإماطة الأذى من محاسن أعمال هذه الأمة عند الله عز وجل، فقد تكون هناك قشرة موزة قد يتزحلق بها أحد فأماطها وأبعدها عن الطريق، فله أجر، أو وجد أذىً يؤذي الناس فأزاله عن الطريق، أو وجد مجاري تخرج إلى الشارع فأصلحها، فإنه يؤجر على ذلك.
فمن الحسنات أن تميط الأذى عن الطريق، وقد صار الناس يأنفون من ذلك، بل وانقلب الحال، فصار الناس بدل أن يميطوا الأذى عن الطريق يضعون الأذى في الطريق، فيضع الزبالة في الطريق مع وجود صناديق القمامة، وبعضهم يرميه أمام الجيران، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن).
فمن مساوئ الأعمال تقذير بيت الله سبحانه، فعلى المسلم أن يحرص على نظافة بيت الله سبحانه وتعالى، فقد كانت امرأة تقم وتكنس المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فافتقدها النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فسأل عنها، فقالوا: ماتت بالليل فدفناها، فقال: (هلا آذنتموني؟)، يعني: هلا أخبرتموني بموتها، وهذا لفضيلتها، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى قبرها فصلى عليها هنالك بعدما دفنت المرأة؛ لأنها كانت تكنس المسجد وتزيل الأذى من المسجد، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم لها فضيلتها فذهب فصلى عليها عند قبرها، وقال: (إن هذه القبور ممتلئة ظلمة على أصحابها، وإن صلاتي عليهم تنور قبورهم).
قوله سبحانه وتعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور:٣٦ - ٣٧] وخص الرجال بالذكر، والمعنى: هم رجال ليسوا كغيرهم من الرجال، كذلك قال الإمام القرطبي هنا، وتخصيصهم بالذكر دليل على أن النساء لا حظ لهن في ذلك، فالمرأة صلاتها في البيت وليس في المسجد، فإذا جاءت المسجد لحاجة فهذا حسن، كأن تأتي لسماع درس علم أو نحوه ما لم تفتن أو تفتن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن وهن تفلات).
وقد جاء في سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) يعني: كلما صلت المرأة في المكان البعيد عن أن يراها الناس كان هذا أفضل لها، ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فإنه نبه على أن البيوت خير للمرأة من المساجد إلا أن تحتاج المرأة لشيء في المسجد فيجوز لها أن تذهب إلى المسجد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.