[تفسير قوله تعالى: (الله الذي خلق السموات والأرض)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة:٤].
يذكر الله سبحانه وتعالى قدرته العظيمة وخلقه للسماوات وللأرض وللإنسان، وكيف أن هذا من بديع قدرة الله سبحانه وتعالى، التي تدل على أنه وحده الذي يستحق أن يعبده الخلق، ولا يعبدون من لا يملك لهم شيئاً لا ضراً ولا نفعاً.
فالله سبحانه الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش سبحانه.
وهو المعبود وحده الذي يستحق أن يعبد وحده، وهو الرب الذي مقتضى ربوبيته أنه يخلق، فخلقه كله عظيم، كله حسن، وكله متقن ومحكم، فيرينا من آيات خلقه السماوات والأرض، فالإنسان يعيش فوق هذه الأرض، وإن كانت الأرض عند السماوات لا شيء، ولكن لكون الإنسان فوق الأرض يعيش عليها، والإنسان يحاسب على ما يصنع فيها، وفي هذه الأرض آيات للموقنين، فالله عز وجل يذكر الإنسان بأنه خلق هذه الأرض وما عليها، وخلق غيرها من الكواكب والنجوم والشموس والأقمار، ولكن الإنسان يعيش على الأرض فيرى آيات الله عز وجل فيها، من جماد ونبات وحيوان وإنسان وطير، مما خلق الله عز وجل وذرأ وبث فيها، فيرى آيات قدرة الله سبحانه، ويتدبر ويتأمل في هذه السماوات وما فيها وما فوقها وما تحتها، والأرض وما فوقها وما تحتها، وما بين السماوات والأرض هذا كله خلق الله سبحانه وتعالى، فقد خلق هذا الخلق العظيم كله في ستة أيام، وهنا لم يذكر لنا أنها من أيام الدنيا أو من أيام الآخرة، أيام الدنيا معلومة عندنا، وأيام الآخرة كل يوم بألف سنة مما نعد، ولكن كون ربنا سبحانه خلق السماوات وخلق الأرض في ستة أيام فكأنها من أيام الله عز وجل التي كل يوم عنده بألف سنة مما تعدون.
فيكون خلق السماوات والأرض في هذا القدر، في ستة أيام من أيام الله سبحانه وتعالى، وهو قادر على أن يخلق كل شيء في لحظة بقوله: كن، فيكون كل شيء كما أمر، ولكن أراد أن يرينا حكمته وصبره وحلمه، انظروا كيف خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وترك آدم وهو من تراب ومن طين حتى مرت به الملائكة وتستعجب ما هذا؟ وآدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مر به إبليس فرآه وهو أجوف، فأضمر في نفسه: لئن سلطت عليك لأغوينك.
ولو شاء سبحانه لخلق آدم بقوله: كن فكان آدم، ولم يتركه لا أربعين سنة ولا أقل ولا أكثر من ذلك، ولكن لحكمة من الله عز وجل يرينا مقتضى أسمائه الحسنى، وأنه الحليم، وأنه الحكيم، وأنه العليم، وأنه الصبور سبحانه وتعالى، فيحلم ويحكم الله سبحانه بعلمه وقدرته سبحانه، فيخلق ما يشاء ويمهل سبحانه وتعالى، وهو القادر على أن يوجد في لحظة واحدة.
قوله: ((الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)) وفصل لنا سبحانه وتعالى في سورة فصلت: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت:٩]، وهنا خلق الله عز وجل هذه الأرض في يومين، ودبر أمر هذه الأرض جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين.
إذاً: إيجاد الأرض كان في يومين، وتدبير أمر الأرض كان في أربعة أيام بما فيها الخلق.
وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت:١١ - ١٢].
يعني: الأرض هذا الكوكب الصغير دبر أمره وأوجده الله عز وجل في أربعة أيام، وكان قادراً أن يقول: كن، فيكون في لحظة.
وهذه السماوات التي هي أعظم بكثير من الأرض، الأرض بجوار هذه السماوات كحلقة في فلاة، وعلماء الكون والفلك لما نظروا إلى هذه الأرض قالوا: هذه الأرض صغيرة جداً بجوار المجرة التي نحن فيها وتسمى بمجرة درب التبانة، هذه المجرة التي فيها الشمس وفيها القمر وفيها النجوم الموجودة التي اطلع العلماء على بعض ما فيها، قالوا: فيها أكثر من أربعمائة ألف مليون كوكب مثل هذه الأرض وأعظم منها، وفيها النجوم وغيرها من الأشياء.
ومنذ فترة قالوا: فيها مائة ألف مليون، والآن يقولون: فيها أربعمائة ألف مليون، والله أعلم بعد هذا ماذا سيقولون! هذا في هذه المجرة وحدها، فكم عدد المجرات التي في الكون؟! يقولون: هناك مليارات مثل هذا العدد من الكواكب الموجودة في هذه المجرة التي نحن فيها، ويقولون: عدد المجرات مثل ذلك، فيكون العدد مهولاً جداً من المجرات! إذاً: ما هي الأرض بجوار ما خلق الله عز وجل من كواكب وشموس وأقمار ومجرات؟ وخلق الله سبع سماوات، وقدر في كل سماء أمرها وتدبيرها.
وهذه المجرات التي نتكلم عنها هي تحت السماء الدنيا، وإذا تخيلنا أن الكون كله كأنه كرة، فكلما خرجنا إلى خارج اتسع واتسع، فهذه السماوات العظيمة أوسع بكثير من الأرض، فالسماء الثانية أوسع من السماء الدنيا, والثالثة أوسع، والرابعة والسابعة، وفوق ذلك سدرة المنتهى، هذا كون عظيم جداً خلقه الله عز وجل، وأرانا كيف أن هذا الكون كبيراً والله العلي الكبير سبحانه وتعالى وحده، فهو يرينا آيات لنستدل بها على عظمته سبحانه وتعالى، فهو العلي الكبير.
إذاً: خلق هذه السماوات العظيمة في يومين اثنين، وخلق الأرض هذا الكوكب الصغير في أربعة أيام! إذاً: هناك حكمة من خلق هذا الكوكب الذي يعيش عليه الإنسان، ليبتلى فيه هذا الإنسان، ثم بعد ذلك يصير إلى الجنة أو إلى النار.