{هو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا}[فاطر:٣٩]، أي: خلفاً بعد خلف يخلف بعضكم بعضاً، فالله سبحانه جعل العباد خلفاء في الأرض، وخلائف فيها، يخلف بعضهم بعضاً، هذا يذهب وقد سلف ومضى، وذاك يخلفه ويجيء ويكون حاضراً، ثم يمضي عليه زمن فيزول كما زال غيره ويخلفه غيره، فالناس خلفاء في الأرض يخلف بعضهم بعضاً، والناس خلائف في الأرض، أي: خلفاً بعد خلف يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن.
وكلمة الخلف تطلق على التالي للمتقدم، إذاً: إذا تقدم إنسان فنقول عنه مضى وسلف، والذي يأتي من بعده نقول له: هذا الخلف لهؤلاء السلف، والناس يخلف بعضهم بعضاً فهم خلفاء في الأرض، وليسوا خلفاء الله في الأرض، فليس الإنسان خليفة لله في الأرض، وإنما الإنسان يخلف غيره من الناس إذا ذهب إنسان جاء إنسان غيره، أما الله فهو حي لا يموت سبحانه، فهو يدبر أمر السماوات والأرض ويحكم فيهن سبحانه بحكمه.
وقد جاء عن أبي بكر الصديق أنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال له البعض: يا خليفة الله! قال أبو بكر رضي الله عنه: لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
فالناس يخلف بعضهم بعضاً ولا يخلفون الله في أرضه سبحانه، فالله يحكم في أرضه وفي سماواته ويشرع ما يشاء سبحانه، ولكن الإنسان خليفة في الأرض أي: يخلف بعد أن يمضي غيره، فيأتي هذا الإنسان خلفاً لسلف.
{فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}[فاطر:٣٩]، أي: من كفر فعليه وزر كفره وإثم كفره، فهو يحمل فوق كاهله هذا الكفر الذي جاء به في الدنيا يوم القيامة، {وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا}[فاطر:٣٩]، إن الله قد غضب عليه لكفره، فإذا عمل من أعمال الكفر شيئاً ازداد بها مقتاً عند الله، والمقت: هو أشد البغض فتقول: فلان أبغض فلاناً، وفلان مقت فلاناً، فالبغض هو الكراهية، أما المقت فهو أشد الكراهية، فهؤلاء يزدادون بمكرهم وخداعهم وكيدهم للمؤمنين من الله بعداً، ويزدادون عند الله مقتاً، فيمقتهم سبحانه ويغضب عليهم ويبغضهم ويكرههم هم وأفعالهم.
قال الله سبحانه:{وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا}[فاطر:٣٩]، أي: مكروا بالمؤمنين كلما زاد عذابهم عند الله، فازدادوا خسراناً وهواناً عنده سبحانه، ولا يحيق مكرهم السيئ إلا بهم.