قال سبحانه:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ}[الروم:١٣] قوله: ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ)) أي: كانوا في الدنيا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:٣] أي: كنا نعبد هؤلاء من أجل أن يقربونا إلى الله عز وجل، فهم كانوا يتقربون إلى الكبراء منهم، فإذا بهم يبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}[سبأ:٣١] وهم الأتباع، {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}[سبأ:٣١] وهم قادتهم وسادتهم {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}[سبأ:٣١] أي: أنتم ضيعتمونا في الدنيا، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ}[سبأ:٣٢] أي: أنتم الذين كنتم مجرمين، وأنتم كنتم سفلة، وأنتم السبب في هذا الشيء، ونحن لم نطغ إلا لما وقفتم بجوارنا، انظر كيف تبرأ هؤلاء الكبار من الصغار؟! كان صغيراً حقيراً في الدنيا ومجرماً طاغياً، وكان كبيراً عالياً في الدنيا ومجرماً طاغياً، الكبير يقول للصغير: أنت السبب الذي جعلتني كبيراً هكذا بطاعتك لي، والصغير يقول له: أنت السبب الذي أضللتني، والله يقول للجميع:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ}[الروم:١٣]، وقال سبحانه حاكياً تبرؤ بعضهم من بعض:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}[البقرة:١٦٦] يعني: الكبار كانوا متبوعين في الدنيا، يمشي الواحد منهم وأمامه ووراءه الآخرون، هذا الكبير يوم القيامة يتبرأ من الذين كانوا وراءه في الدنيا:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا}[البقرة:١٦٦] أي: الكبار: ((من الذين اتبعوا)) من الصغار، ثم قال سبحانه:{وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:١٦٦] أي: أسباب المواصلة في الدنيا لا توجد الآن في الآخرة، أما في الدنيا فهذا سيعطي هذا مالاً أو غير ذلك، لكن يوم القيامة تنعدم أسباب المواصلة فتبرأ بعضهم من بعض، وتقطعت بهم الأسباب، فتجد بعضهم يشتم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، ويقول لهم ربهم: ادخلوا النار خالدين فيها.
ثم قال هنا:((وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ)) أي: كفروا بمن عبدوه من دون الله.