في هذه الآيات يذكر الله عز وجل لنا مناظرة مؤمن من آل فرعون من أهل مصر لفرعون ومن معه، وقد أراد فرعون -كما تقدم- أن يقتل موسى ومن معه، قال تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:٢٦] فانبرى هذا الرجل المؤمن مدافعاً عن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقائلاً لهؤلاء: علام تقتلون هذا الرجل؟ تقتلونه لأنه يقول ربي الله؟ وماذا في ذلك؟ وقد جاءكم ببينات من عند ربه وقد رأيتم هذه البينات، فإن أطعتم هذا الرجل فيما يقول فإن كان صادقاً أصابكم بعض الذي يعدكم، وإن كان كاذباً فكذبه على نفسه وسوف يحاسبه ربه على ذلك.
قال سبحانه وتعالى:{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:٣٨] بدأ الكلام معهم وهو يقول: يا قوم، وكان يكتم إيمانه، فلم يزل يناظر ويذكر شيئاً فشيئاً ليتدبروا بعقولهم، حتى كشف لهم عن أمر نفسه، فقال:(اتبعوني)، أي: أطيعوني (أهدكم سبيل الرشاد)، وكان قبل ذلك قد كذب فرعون موسى وأنهى الحوار معه، قال تعالى:{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:٢٩] أي: رأيي هو الصواب، والذي أنا أقوله هو الذي سينفذ، ثم أراد أن يريهم آية لنفسه، قال تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}[غافر:٣٦] أي: اجعل لي قصراً عظيماً وهرماً عالياً جداً من أجل أن أصعد إلى السماء وأنظر أين إله موسى الذي يزعمه، وأنا على يقين أنه كاذب، فلا يوجد إله في السماء، قال تعالى:{وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ}[غافر:٣٧] إنَّ الذي زين لفرعون سوء عمله وزين له الكفر فاتبع هواه وقال: أنا ربكم الأعلى هو الشيطان، والله سبحانه وتعالى ختم على قلبه، فلا يفهم ولا يفقه شيئاً، فهو يسير في طريق الضلالة، فقد أضله الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أعجب بنفسه، وأعجبه رأيه، ولم يستمع إلى داعي الله، ولم يستمع إلى موسى الذي جاء بالآيات من عند الله سبحانه وتعالى.
فلما قال فرعون:{مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:٢٩] قال هذا المؤمن: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:٣٨] أي: سبيل الرشد، طريق الله سبحانه وتعالى الذي ترشدون فيه وتعقلون فيه وتفهمون الحق، وتستحقون من الله عز وجل أن يدلكم على الجنة وأن يدخلكموها، فقوله:(أهدكم سبيل الرشاد) أي: طريق الهدى وطريق الجنة.