للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وجعلنا في الأرض رواسي)]

قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [الأنبياء:٣١].

أي: جعل الجبال العظيمة رواسي تثبت الأرض بسبب ثقلها، وقال عنها في سورة النبأ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ:٦ - ٧]، أي: جعل الجبال أوتاداً تثبت الأرض، مثل الأوتاد التي تعمل للخيمة من أجل تثبيتها، حيث يجعل أكثره تحت الأرض وقليل منه خارج الأرض لتربط إليه حبال الخيمة، فالله سبحانه وتعالى جعل الجبال ثقيلة راسية وجعلها أوتاداً تثبت سطح الأرض.

وكانوا في الماضي يقولون: إن الجبال هي مرتفعات من الأرض، والآن قالوا: إن التعبير كلام خاطئ، فالجبال ليست مرتفعة من الأرض فقط، بل إن الجبال لها جذور تحت الأرض، وهذه الجذور أطول بكثير من الجبل الظاهر لنا فوق سطح الأرض، فأربعة أخماس طول الجبل تحت الأرض، والخمس فقط هو الذي فوق الأرض.

فالجبال رواسي من أجل أن تثبت قشرة الأرض، هذه القشرة التي سمكها ما بين ثلاثين إلى مائة وستين كيلو متر، ثم تحتها الحرارة شديدة جداً والمعادن ذائبة، وتوجد في باطن الأرض المياه الجوفية وغيرها، وكأن قشرة الأرض عائمة على سوائل تحتها، فلو تركها الله سبحانه وتعالى هكذا فإنها مع دورانها حول نفسها، من اليمين إلى اليسار، أي: عكس عقارب الساعة، ومع دورانها حول الشمس؛ فإن القشرة الخارجية سوف تميل وتضطرب مثل المركب الذي فوق البحر، ولذلك جعل الله عز وجل الجبال أوتاداً تربط قشرة الأرض فلا تميل الأرض ولا تهتز ولا تضطرب.

فالله عز وجل سماها هنا (رواسي) وذكر هناك أنها أوتاد على الأرض.

قال: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:١٥]، يعني: لئلا تميل بكم قشرة الأرض التي أنتم فوقها فلا تستطيعون العيش عليها.

ثم قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا} [الأنبياء:٣١].

بعد أن ذكر الجبال وأنها رواسي، قال: {وَجَعَلْنَا فِيهَا} [الأنبياء:٣١]، يعني: في هذه الجبال {فِجَاجًا سُبُلًا} [الأنبياء:٣١]، والفج: هو الطريق الواسع الذي بين جبلين، فإذا كان طريقاً ضيقاً فهو الشعب.

فقال هنا: {فِجَاجًا سُبُلًا} [الأنبياء:٣١]، أي: جعل هذه الطرق بين الجبال مسلوكة وليست مغلقة، فإنه سبحانه وتعالى لو جعل الأرض كلها جبالاً لكان السفر والتنقل صعباً على الإنسان، ولكن الله برحمته سبحانه جعل من خلال هذه الجبال فجاجاً، أي: الطرق الواسعة التي يمكنكم أن تسيروا فيها فتبلغوا أماكنكم.

{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء:٣١]، لو تخيلت أن الأرض كلها جبال، من الأمام والخلف، وعن اليمين واليسار، فإنك لن تستطيع أن تحدد مكانك وأنت تسير، ولكن يجعل الله الجبال ويجعل الشعب الصغير بينها، ويجعل الفجاج، أي: السبل الكبيرة، حتى نستطيع تحديد الأماكن ونهتدي إلى الوصول إلى ما نريد، {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء:٣١]، يعني: في السير من خلال هذه السبل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>