لعلكم سمعتم عن الذي كان يتكلم في انشقاق القمر، ولكنه كان مكذباً للقرآن، وكان كافراً معرضاً عن كتاب الله، وفي يوم من الأيام أهداه بعض المسلمين كتاب الله، فأخذ ينظر إليه، فكان أول شيء اطلع عليه في القرآن سورة القمر، إذ يقول تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١]، فإذا به يغلق الكتاب ويتركه ويكذب بذلك، فأعرض عن الله سبحانه، وهو الذي ذكر ذلك، كما ينقل ذلك الدكتور زغلول النجار أكرمه الله وبارك الله فيه.
وقد نقل أن هذا الرجل أسلم بعد ذلك، بعد أن أعرض عن كتاب الله سبحانه وتعالى لما سمع هذه الآيات:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١]، وقال: إن القمر موجود كما هو، فمتى انشق؟ وأنكر ذلك، ثم بعد ذلك اطلع على برنامج تلفزيوني ورأى المذيع وهو يسأل رواد الفضاء ويقول لهم: أنتم أنفقتم ملايين الدولارات من أجل الصعود إلى القمر في أشياء لا تعود بأي فائدة على البشرية، وقد كان الأولى أن تطعموا بها المساكين والفقراء! فقال له رائد الفضاء: نحن أنفقنا ملايين ووصلنا إلى معلومة تساوي أكثر من الذي أنفقنا، لقد اكتشفنا أن القمر انشق في يوم من الأيام، فسأله المذيع: كيف عرفتم ذلك؟ فقال: لقد صورنا القمر فوجدنا فلقة في القمر تدل على أنه في يوم من الأيام في هذا المكان انشق القمر كله، والتحم مرة ثانية، فأعاد قول رائد الفضاء هذا لهذا الذي كفر صوابه، فإذا به يرجع إلى كتاب الله، ويقرؤه ويتأمل فيه بآية رآها الكفار {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا}[فصلت:٥٣].
وكم من الآيات اطلع عليها هؤلاء الكفار وقالوها، فوجدوا مصداقها في كتاب الله سبحانه تبارك وتعالى، ومن ذلك آيات خلق الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، فأخبر سبحانه أن الإنسان يكون مضغة، ولما ناقش الشيخ الزنداني بعض علماء الأجنة من الأجانب فيها، وقال له: ماذا تسمي هذا الطور الذي سماه ربنا مضغة؟ ولم يخبره أن الله سماه مضغة، وقد كانوا يسمون هذه المراحل أطواراً، ويقولون: الطور رقم واحد، والطور رقم اثنين، فلما سأله: إذا وصفنا هذه المرحلة فبماذا نصفها؟ فإذا بهذا الكافر يقول له: أقرب وصف لها أنها اللبانة التي تمتضغ، فقال له: وفي القرآن سماها الله عز وجل مضغة! فتعجب الرجل وقال: وهل اطلع محمد على الجنين وهو في بطن أمه؟ نحن نصور هذه الأشياء بالمناظير، فأين رأيتموها أنتم؟ فهذا لا يكون إلا من عند الله سبحانه تبارك وتعالى، يُري هؤلاء الكفار آياته فيطلعون عليها.
ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء الرجل وماء المرأة، وقد كان علماء الطب إلى نهاية العهد الحديث لا يعرفون ماء المرأة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، وهم يكذبون بهذا الحديث إلى أن اكتشف الكفار أن المرأة لها ماء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا علا ماء الرجل أذكر بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة آنث بإذن الله) والذي اكتشف بعد ذلك علماء الكفار وليس علماء المسلمين.
وكذلك في خلق الإنسان قال علماء الكفار: يخلق العظم أولاً، وبعده بقليل يكون اللحم، ويوجد هذا في كتاب الله، {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}[المؤمنون:١٤].
وكم من الآيات في كتاب الله عز وجل ولعل من أكثر الأشياء التي نعرفها ما قاله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ}[الرحمن:١٩ - ٢٠]، أي: برزخ بين النهر وبين البحر، فلا يتملح ماء النهر ولا يحلو ماء البحر، فبين المائين منطقة وسط، لها كائناتها ولها طبيعتها ولها طعمها، خلاف هذه وخلاف هذه، ويخبر الله عز وجل بذلك، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وليس عنده نهر يصب في البحر من أجل أن يراه النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرف هذا الشيء، وإنما يري الله عز وجل الآيات لخلقه حتى يتبين لهم ويتأكدوا أن هذا كتاب الله عز وجل وأنه الحق من عند الله كما قال تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:٥٣] وكفى بالله شهيداً، فهو يشهد على العباد بما في قلوبهم مما لا ينطقون بألسنتهم به، والله يشهد على ذلك فهم يعرفون أنه الحق ويكتمون أنه الحق، ويعرفون ذلك ولا يتكلمون به وقد عرف الكفار ذلك، وذهبوا ليسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرؤه من كتاب الله، ويرجع أبو جهل وأبو سفيان وغيرهم ويحلفون أن لا يرجعوا لسماع النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، ثم يرجعون مرة ثانية ليستمعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهد الوليد بن المغيرة أن القرآن ليس بقول بشر، فلما ضغطوا عليه ليرجع عن كلامه قال:{إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ}[المدثر:٢٤] فكتموا ما عرفوا من أنه الحق من عند الله، فقال الله: كفى أننا نشهد عليهم بذلك، بأن هذا الحق من عند الله، ونشهد عليهم بما في قلوبهم، وإن كذبوا وأعرضوا {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:٥٣]، بلى.