تفسير قوله تعالى:(إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً)
وقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:٦]، ختامٌ جميلٌ للمقدمة، وتمهيد لما يسوقه بعد ذلك فيدخل في قصة من القصص، يقول تعالى:{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ}[النمل:٧]، وإذ: منصوبة بفعل محذوف تقديره: اذكر، أي: اذكر وقت قول موسى ذلك لأهله، فقد قتل موسى القبطي وفر إلى الشام خوفاً من فرعون، وهنالك دبر الله عز وجل له أمره، وأغناه من فقره عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك أمره فخرج من الشام وجاء إلى طور سينين، أي: جاء إلى مصر ثانية.
قال تعالى:{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ}[النمل:٧]، أي: زوجته عليه الصلاة والسلام، إذاً: فموسى كان خارجاً من بلاد الشام فجاء إلى مصر، ولما وصل إلى جبل الطور وهو في المكان المبارك قال لأهله:{إِنِّي آنَسْتُ}[النمل:٧]، وآنس بمعنى: أبصر وأحس بشيء أمامه، وقوله تعالى:{إِنِّي آنَسْتُ نَارًا}[النمل:٧]، هذه قراءة الجمهور، وقراءة نافع، وأبي جعفر، وابن كثير، وأبي عمرو {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا}[النمل:٧].
وقوله:{سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}[النمل:٧]، يعني: جزم بذلك ثقة في الله سبحانه وتعالى، فإن موسى تاه في الطريق عليه الصلاة والسلام، وهو قادم من الشام إلى مصر، ولما وصل إلى طور سينين تاه، وكانت ليلة باردة شديدة البرد، مظلمة شديدة الظلام.
فاحتار أين يذهب، وكان لم ينبأ بعد ولم يرسل عليه الصلاة والسلام، فأراه الله عز وجل ناراً من بعيد، فنظر وقال لأهله:(إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) يعني: يطمئنهم (سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ)، أي: سأذهب متوجهاً إليها وآتيكم منها بخبر يدلني على الطريق، أو إذا لم يكن هناك خبر فعلى الأقل:(آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ)، يعني: شعلة من النار، وقراءة الكوفيين عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، ويعقوب:{بِشِهَابٍ قَبَسٍ}[النمل:٧]، على التنوين في الاثنين، والشهاب: الخشبة التي في آخرها شعلة من النار، والشهاب القبس: المقتبس من هذه النار، فهي جزء من النار مقتبس، وباقي القراء يقرءونها:(بشهاب قبسٍ) على الإضافة، فقوله تعالى:(سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)، يعني: بشعلة من النار مقتبسة من هذه النار التي أراها، ثم قال تعالى:(لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)، الاصطلاء بمعنى: الاستدفاء أي: تستدفئون من شدة البرد.