قال الله تعالى:{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}[الصافات:١٠٨] أي: تركنا على إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الثناء الحسن في الآخرين، في الأمم التي تخلف وتأتي بعده إلى يوم الدين، فكل من يذكر إبراهيم من أهل كل ملة يصلون ويسلمون عليه، ويقولون: عليه الصلاة والسلام.
قال الله سبحانه:{كَذَلِكَ}[الصافات:١١٠]، أي: كهذا الجزاء العظيم {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:١١٠].
وكرر ذلك مرتين:{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:١٠٥].
الأولى نجزي المحسنين بأن ننجيهم من الغم ومن الكرب ومن الهم، فالإنسان الذي يريد من الله عز وجل أن يستجيب له في الضراء فليكن محسناً، وليكن مؤمناً، وليتقرب إلى الله سبحانه وتعالى في وقت الرخاء، ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(من سره أن يستجاب له في الضراء فليكثر من الدعاء في الرخاء) فالذي يعود نفسه على كثرة الدعاء في وقت الرخاء والسعة والغنى، فهذا جدير أن يستجاب له إذا نزلت به مصيبة؛ لأنه متعود في وقت النعمة على أن يدعو ربه، والعادة في الإنسان أن طبيعته عجيبة، كما يقول الله سبحانه:{كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:٦ - ٧].
فالإنسان إذا وجد نفسه مستغنياً يترك العبادة ولا يدعو ربه سبحانه وتعالى! فالإنسان يجاوز حده ويترك عبادة ربه سبحانه وتعالى إذا رأى نفسه قد استغنى في زعمه، لذلك فإن الذي يستجيب لله عز وجل في وقت البلاء هو ذلك الإنسان الذي اعتاد على حسن العبادة لربه سبحانه في كل أحواله.
فكأنه في الأولى قال:{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:١٠٥] أي: ننجيه من الغم، وفي الثانية قال:{كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:١١٠] يعني: يثني عليهم ويأتي بعدهم من يذكرهم بخير، فالله عز وجل يجعل الذكر الجميل والثناء الحسن للإنسان الذي يحسن في عبادة ربه سبحانه.