[تفسير قوله تعالى:(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه)]
قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزخرف:٤٦].
ذكر الله عز وجل عناد المشركين من قريش، فقد جاءهم القرآن ذكراً لهم، فهو تذكرة وموعظة، وشرف، وفخر لهم، ونزل بلغتهم ووعدهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يسودوا الخلق بهذا الدين العظيم، وأن يجعلهم الله عز وجل الحكام المتبوعين وغيرهم يكونون أتباعاً لهم، لو أنهم اتبعوا دين رب العالمين سبحانه، فرفضوا:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:٣١].
فنظروا للنبي صلى الله عليه وسلم نظرة ازدراء واستهزاء واحتقار بسبب نزول القرآن عليه ولم ينزل على رجل أعظم منه مالاً أو جاهاً، والعظمة التي يعنونها ليست في الشرف والنسب، فهو صلى الله عليه وسلم أفضلهم وأشرفهم صلوات الله وسلامه عليه، وأعدلهم عليه الصلاة والسلام، وأصدقهم وأعظمهم أمانة.
والله له الحكمة العظيمة، فهو يجعل نبيه صلى الله عليه وسلم واحداً من الناس، ولم يكن ملكاً، ولم يكن من آبائه من ملك عليه الصلاة والسلام، حتى لا يساء فيه الظن فيقال: يريد ملك آبائه.
فلذلك الكفار قالوا: إن القرآن نزل على رجل من الناس ولم ينزل على رجل من عظمائهم، فاحتقروا النبي صلوات الله وسلامه عليه وازدروه في الظاهر، أما الحقيقة في الباطن فالغيرة والحسد مما أتى به صلوات الله وسلامه عليه.
فربنا يطمئن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس أول من قيل له ذلك، فنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام قيل له أشد من ذلك، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأسى به فيصبر إذا أوذي، ويقول:(رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من ذلك فصبر).
فيتسلى صلوات الله وسلامه عليه بذلك، فإن في موسى أسوة حسنة، فموسى أوذي فصبر، والنبي صلى الله عليه وسلم أوذي فيصبر كما صبر موسى، فربنا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بقصة موسى القصة العظيمة التي هي من إعجاز القرآن العظيم، فقد تكررت القصة في القرآن عشرات المرات، وفي كل مرة فيها تفنن وتنوع بذكر شيء غير موجود في المرة الأخرى وبسياق يلائم الآيات التي هي فيها.