تفسير قوله تعالى:(فافتح بيني وبينهم فتحاً أغرقنا الباقين)
بعد أن دعا نوح ربه:{فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:١١٨].
قال سبحانه:{فَأَنجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[الشعراء:١١٩] أي: فأنجاه الله سبحانه، والفاء هنا تفيد الترتيب والتعقيب، وكأن نوحاً لما دعا الله نصره، ولكن بعد أن أمره بأخذ أسباب النصر وأسباب النجاة، فأوحى إلى نوح أن يصنع الفلك بقوله:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}[هود:٣٧]، وقال الله محذراً له:{وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}[هود:٣٧]، فإذا بنوح يستجيب لأمر الله، فعلمه الله كيف يصنع السفينة، فإذا بنوح يصنعها في الصحراء بعيداً عن الناس، وعندما يمر عليه الكفار وهو يصنع سفينة في أرض لا ماء فيها يتعجبون ويسخرون منه، قال تعالى:{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}[هود:٣٨] أي: لم تضحكون علينا، اضحكوا على أنفسكم مما سيحدث بعد ذلك، ولكنهم لم ينتهوا، بل كلما مر عليه ملأ منهم قالوا: ماذا تصنع يا نوح؟! وأين الماء الذي ستحمل عليه هذه السفينة؟ فيضحكون ويسخرون منه، ولا يتوقعون أن الماء سيأتي من بطن الأرض، وليست السفينة هي التي سيذهب بها إلى الماء، فسبحان الله الخلاق العظيم تبارك وتعالى.