[الأمر بالاستقامة على دين الله]
قوله: ((وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ))، أي: استقم على هذا الطريق كما أمرك الله عز وجل ونفذ كل ما أمرك الله أن تفعله، واجتنب كل ما منعك الله عز وجل عنه، فكن مستقيماً على طريق الله سبحانه وتعالى منفذاً لكل ما يريده الله سبحانه وتعالى، مجتنباً لكل ما نهاك الله سبحانه وتعالى عنه.
وأمر الله في سورة هود بالاستقامة أيضاً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل يسأله وهو سفيان بن عبد الله الثقفي كما في صحيح مسلم قال سفيان: (قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك أو أحداً غيرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله فاستقم)، وفي رواية لـ أحمد: (قل آمنت بالله ثم استقم).
فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، وبهذا الأمر أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالاستقامة على دين الله تبارك وتعالى، وفي رواية أخرى لـ أحمد:>أن سفيان قال بعد ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم: (فأي شيء أتقي؟ فأشار بيده إلى لسانه صلوات الله وسلامه عليه).
وتتقي غضب الله سبحانه بأن تنفذ أوامره وتجتنب محارمه، ومن أعظم ما تتقي الله عز وجل فيه اللسان، فكن مستقيماً فلا تتكلم إلا بالحق؛ لا تتكلم بزور ولا تتكلم ببلاهة فيحاسبك الله عز وجل عليه يوم القيامة ويعذبك عليه، فقل: آمنت بالله، ثم استقم على طريق الله وعلى دين الله سبحانه وتعالى، واتق أن تقع بلسانك في شيء قد حذرنا الله سبحانه منه.
وفي رواية أخرى قال الرجل: (يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف علي -أي: ما هي أشد الأشياء التي تخافها علي- فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: عليك هذا).
فأخوف ما يخاف النبي صلى الله عليه وسلم على كل إنسان مؤمن هو اللسان الذي يقع فيما حرم الله سبحانه وتعالى، واللسان بالكلام السيئ يثور فإذا به يستحق عذاب السعير، واللسان يتكلم بالحق فينجو صاحبه، ويتكلم بالباطل فيوبق صاحبه، واللسان قد يقع في الكذب، في الغيبة، في النميمة، في النفاق، في شهادة الزور، في قول الزور وغيرها من آفات اللسان، ولذلك أخوف ما يخاف على الإنسان من لسانه أن يقع في الحرام بأن يسيء بالكلام الظاهر.
أمر أصحابه بالاستقامة فقال عليه الصلاة والسلام: (استقيموا ولم تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ عليها إلا مؤمن)، فالصحابة طلبوا النصيحة، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستقامة، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم من بداية الأمر بكل شرائع الدين لشق عليهم، ولكنه قد أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه عليه، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم الاستقامة فقال: (قل آمنت بالله ثم استقم) فلا تشرك بالله شيئاً، واعبد الله ولا توجه عبادتك إلى أحد غير الله.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (استقيموا ولن تحصوا) أي: لن تحصوا أعمال البر، فالبر كثير جداً، والله سبحانه وتعالى يقول: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} [البقرة:١٧٧] وهذه كلمات عظيمة، فقد كانت هناك أشياء يظنونها من البر وهي لا معنى لها، فقد كانوا إذا خرج أحدهم يريد الحج خرج من ظهر بيته، والحكمة من ذلك عندهم: أنه إذا خرج من ظهر البيت فسيرجع إليهم، فكانوا يعتقدون أن من البر أن يخرج من ظهر بيته، فقال تعالى: ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ))، إنما البر في هذه الأعمال الصالحة، وليست هذه كل الأعمال، ولكنه ذكر رءوس الأعمال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تحصوا)، فأعمال البر كثيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وما بين ذلك أعمال كثيرة من أعمال البر.