قال الله سبحانه في المؤمنين:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:٢٣].
مدح الله المؤمنين بأنهم لم يبدلوا وثبتوا على دينهم، فقد عاهدوا الله تبارك وتعالى وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوه على أن يجاهدوا في سبيل الله، وعلى أن يثبتوا على هذا الدين، وأن يبذلوا في سبيل هذا الدين كل غال وثمين، فيبذلوا النفوس والأموال في سبيل الله تبارك وتعالى، ويبذلوا ما استطاعوا بذله، فعاهدوا الله سبحانه وتعالى وصدقوا في عهدهم، ونفذوا ما عاهدوا عليه، فمدحهم الله بقوله:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}[الأحزاب:٢٣].
والنحب يأتي بمعنى: العهد، وبمعنى: النذر، وبمعنى: الموت، وبمعنى: الحاجة.
والمعاني الثلاثة الأولى مقصودة في هذه الآية، أي: أنهم وفوا بعهودهم مع الله سبحانه تبارك وتعالى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهم يعاهد الله ويقول: إذا لقيت الكفار ليرين الله ما أفعل، فيوفي بما قاله، كما روى أنس بن مالك عما صنعه عمه أنس بن النضر رضي الله عنهما.
فقال الله سبحانه:{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}[الأحزاب:٢٣]، أي: عاهد ووفى بما قال، ومنهم من عاهد ولكن لم يتمكن، وسيتمكن بعد ذلك وسيوفي، فهو ينتظر الوفاء بما عاهد عليه الله سبحانه، من جهاد في سبيل الله وبذل في سبيله تبارك وتعالى.
وهذا على أن النحب بمعنى: النذر والعهد، وهذا الذي يليق بأول هذه الآية.
فهم عاهدوا الله ونذروا له سبحانه أن يبذلوا في سبيله ما استطاعوا، من بذل ومن جهد، فوفوا بعهودهم وبنذورهم.
{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}[الأحزاب:٢٣]، أي: ينتظر فرصة ليبلي بلاءً حسناً ويظهر ذلك.
وقيل: من معانيها الموت.
{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}[الأحزاب:٢٣]، يعني: قتل شهيداً في سبيل الله، ومنهم من لا يزال حياً، وسيوفي الله عز وجل بما عاهد عليه.