للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (والصافات صفاً)

قال الله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} [الصافات:١ - ٣] هذه أقسام يقسم بها الله عز وجل تناسب الحال، فقوله: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} تناسب عظمة الله سبحانه تبارك وتعالى.

أي: الملائكة التي تصف أجنحتها وتقف صفوفاً بين يدي ربها سبحانه تبارك وتعالى، والملائكة خلق عظيم خلقهم الله عز وجل من نور، وجعل لهم قوة عظيمة جداً، فهم ملائكة الله الذين قال فيهم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦]، ومنهم جبريل عليه السلام الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم على هيئته التي خلق عليها مرتين فقط، وخلقه يسد ما بين السماء والأرض وله ستمائة جناح، نزل على قرية واحدة فقلب هذه القرية على أهلها كما قال تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} [النجم:٥٣ - ٥٥].

ومن الملائكة خازن النار مالك الذي يناديه أهل النار {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧]، ومنهم ميكائيل الذي يأتي بالقطر ويسوق السحاب ويأتي بالمطر من السماء، والناس يسمعون صوت الرعد ويرون البرق فيصيبهم الفزع والهلع والخوف وما ذلك إلا من ملائكة الله الذين يجعل الله عز وجل في أيديهم ما يدبر به أمر خلقه سبحانه تبارك وتعالى.

وأما إسرافيل فهو الذي ينفخ في الصور، فيميت الله عز وجل جميع الخلق بهذه النفخة، ثم يأمره أن ينفخ نفخة الإحياء فينفخ فيقوم الناس من قبورهم فزعين.

والملائكة يسمعون ويطيعون ويعبدون الله سبحانه، مع قوتهم الهائلة فهم الصافون بين يدي الله سبحانه تبارك وتعالى، أي: يقفون صفوفاً بين يديه خائفين وجلين، فإذا سمع الملائكة الأمر من عند الله سبحانه خروا وضربوا بأجنحتهم خضعاناً لأمر الله سبحانه تبارك وتعالى، والملائكة هم الذين ذكرهم الله سبحانه تبارك وتعالى في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:١].

فهؤلاء الملائكة الذين خلقهم الله سبحانه تبارك وتعالى، وصفهم هنا مقسماً بهم، والله يقسم بما يشاء، فهو يقسم بنفسه، وبصفاته سبحانه، ويقسم بالملائكة، ويقسم برسوله صلى الله عليه وسلم، فله أن يقسم بما يشاء، أما العبد فلا يجوز له أن يقسم إلا بالله سبحانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فلا تحلف بغير الله.

وقد ناسب ذكر الملائكة في أول هذه السورة وذلك لعظمتها، وذكر أنها تصف صفوفاً بين يدي الله عز وجل خاشعة قائمة بين يدي الله عز وجل، فمنهم القائم ومنهم الراكع ومنهم الساجد الذي يكون على هذه الهيئة حتى تقوم القيامة، فإذا قامت القيامة قاموا بين يدي الله عز وجل، وقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>