قال الله تعالى:{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}[لقمان:٢٠]، (نعمه) جمع نعمة، وقد قرئت بالإفراد، وقرئت بالجمع، فقراءة الجمع قراءة نافع وأبي جعفر وأبي عمرو البصري، وقراءة حفص عن عاصم: نعمه ظاهرة وباطنة، فبالإفراد قرأ جمهور القراء:((وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَة ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة))، و (نعمة): جنس، من باب قول الله عز وجل:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ}[إبراهيم:٣٤]، أي: نعم الله سبحانه، فالجنس يعبر فيه بالإفراد عن الجمع، وجنس النعمة منه سبحانه، والمفسرون يذكرون النعم الظاهرة والباطنة على اختلاف الروايات واختلاف تفسيرها، وإن كان المعنى لا يختلف، ولكن كل يذكر شيئاً من هذه النعم العظيمة.
يقول ابن عباس: النعمة الظاهرة الإسلام، وما حسن من الخلق، وهذه نعمة ظاهرة على الإنسان، فالله سبحانه أنزل هذا القرآن العظيم، فهدى به العباد ظاهراً بدينه سبحانه، فظهر الإسلام في الأرض، وهداهم بفضله سبحانه وتعالى، فحسنت أخلاقهم، وظهرت أمام الخلق كنعمة ظاهرة من الله سبحانه.
كذلك أتم على العباد نعمة الخلق، فجعل الإنسان سوياً معتدلاً، يمشي على رجليه، ويقف على قدميه، فمن فضل الله سبحانه تبارك وتعالى.
أن خلق الإنسان فسواه فعدله وهذه نعمة ظاهرة.
قال ابن عباس: والباطنة ما ستر عليك من سيئ عمل، وذلك أن العبد قد يقع في السيئات، والله يسترها عليه، ولا يفضحه بفضله سبحانه وتعالى وبرحمته.
ويقول بعض العلماء: النعمة الظاهرة: الصحة وكمال الخلق، فالله جعل الإنسان سوياً معتدلاً كاملاً، ينطق ويتكلم، ليس أعجمياً لا يجيد النطق، ولكن ينطق ويعبر عن نفسه، وليس كالحيوان الأعجم، والنعمة الباطنة: المعرفة والعقل، فالله أعطى الإنسان معرفة في قلبه، وعقلاً يعقل به ويفهم، وهذه من النعم الباطنة.
وقالوا أيضاً: النعم الظاهرة نعم الدنيا، وما يحصله الإنسان من الدنيا من نعم الله سبحانه، والنعم الباطنة أي: الخفية، مما يكون في الدار الآخرة، فالعبد يعمل الصالحات -وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى- ويأخذ الثواب، وهذه نعمة خفية باطنة مستترة عنه؛ فهو لم ير الثواب ولكنه يوم القيامة سوف يجده.
كذلك قالوا: النعمة الظاهرة: ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال، وتوفيق الله عز وجل لعباه في الطاعات، والنعم الباطنة: ما يجده الإنسان في نفسه وقلبه من العلم بالله سبحانه، ومن حب الله سبحانه، ومن المودة في الله والإخاء فيه، ومن حسن اليقين به، وغير ذلك مما يدفعه الله سبحانه عن العبد من الآفات، فهذه بعض نعم الله الظاهرة والباطنة.