ومما جاء عن لقمان أنه خير بين النبوة والحكمة كما يقول قتادة: خير الله تعالى لقمان بين النبوة والحكمة، فاختار الحكمة على النبوة، وهذا عجيب؛ لأن الإنسان إذا خير بين مرتبتين إحداهما أعلى من الأخرى فالمفترض أن يختار المرتبة العالية، فلم اختار لقمان المرتبة الدنيا؟ فلما سئل لقمان عن ذلك، أي: قيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها العون منه، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة.
وهذه من حكمته، وهذا من الله عز وجل قضاء وقدر، والله علم ذلك، أي: أن هذا يصلح له أن يكون حكيماً لا نبياً.
إذاً: فخيره الله فكان من حكمته أن اختار لنفسه ما وفقه الله عز وجل إليه، أي: اختار الحكمة، وترك النبوة، وكأنه قال: لو طلبت النبوة فلعلي لا أعان عليها؛ فسأختار ما هو أقل؛ ولذلك لما خير نبينا صلوات الله وسلامه عليه بين أن يكون ملكاً نبياً وأن يكون عبداً نبياً صلوات الله وسلامه عليه، فإذا به ينظر إلى جبريل وكأنه يقول له: ما الأمر؟ أو ما الذي أختاره؟ هل أكون ملكاً نبياً أم عبداً نبياً؟ فأشار إليه جبريل بيده أن تواضع، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون عبداً نبياً؛ ولذلك كان يجلس صلى الله عليه وسلم جلسة المتخشع المتذلل بين يدي ربه سبحانه وتعالى، ويأكل على الأرض عليه الصلاة والسلام ويقول:(إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)، ويقول:(آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد)، صلوات الله وسلامه عليه.
ولو جعله الله عز وجل ملكاً نبياً كما جعل داود وكما جعل سليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام لكان كذلك عليه الصلاة والسلام، ولكن لما خير فاختار الأقل عليه الصلاة والسلام رفعه الله عز وجل بذلك فوق جميع خلقه.