تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً)
قال تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الجاثية:٣٥] أي: إنما جازيتكم هذا الجزاء الصعب الشديد لأنكم اتخذتم آيات الله هزواً، واستهزأتم بكتاب الله، واستهزأتم برسول الله، فقد تكلمتم عنه بالكلام الفاحش البذيء، ورسمتم الصور عنه كذباً وزرواً، {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الجاثية:٣٥].
و (هزواً) فيها قراءتان: الأولى قراءة حفص عن عاصم.
الثانية: القراءة بالهمزة ويقرأ بها بقية القراء (هزؤا) ما عدا حمزة فيسكن الهمزة (هزءاً) إذا وقف عليها.
قوله: ((وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) أي: غركم الباطل الذين كنتم تتعالون به في الدنيا، غركم ما كنتم تقولون من حرية التعبير، فالحرية عند هؤلاء الكفرة المجرمين أن يقولوا: حكم الشعب بالشعب، وليس حكم الله للخلق، فالله يحكم لا معقب لحكمه، فلما نسوا الله أنساهم أنفسهم.
((وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا))، فأخذوا ملاذها، وفتحت لهم أبوابها، حتى إذا جاءت كانت هذه نتيجتهم، وكانت هذه عقوبتهم، ((وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)).
{فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} أي: لا يخرجون من النار، فلا يخرجهم أحد، ومن ذا الذي يقدر أن يخرج من أدخله الله عز وجل النار؟! وهذه قراءة الجمهور: ((لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا))، وقرأها حمزة والكسائي وخلف، (فاليوم لا يَخْرُجون منها) لا يستطيعون أن يخرجوا، ولا يقدر أحد أن يخرجهم منها: (ولا هم يستعتبون) (يستعتب) أصله من العتب، يقال: عتبت على فلان.
أي: غضبت على فلان، وصار في النفس شيء من هذا الإنسان، فلما أعتبه، أي: أطلب منه فأقول: أزل هذا العتب.
فهم في ذلك اليوم العظيم لا يطلب منهم إزالة العتب، ولا يطلب منهم إرضاء ربهم، بل يعذبون بغير حساب ولا عتاب، {لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}، لا يطلب منهم أن يرضوا ربهم سبحانه في هذا اليوم.
ثم قال: (فلله الحمد)، الله مالك السماوات والأرض، خلق السماوات والأرض بالحق سبحانه، يحكم بين العباد بالحق، ينصف المظلوم من ظالمه، وينصر المستضعف من القوي الذي ظلمه، فلله الحمد أن قضى بين العباد، وأن فصل بين خصوماتهم، وأن أدخل المؤمنين الجنة، وأن انتصر من الكفار الذين استهزءوا بكتاب الله وبرسل الله عليهم الصلاة والسلام، فأدخلهم النار فلله الحمد على ذلك كله، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الجاثية:٣٦].
رب كل شيء سبحانه، فهو الخالق لكل شيء سبحانه، ((رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ))، وما في ذلك كله، فهو رب كل عالم، ((رَبِّ الْعَالَمِينَ)) و (العالمين) جمع عالم، فالله رب كل شيء.