[استحقاق الله للعبادة دون ما سواه]
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة النمل: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:٦٣ - ٦٦].
يخبر الله سبحانه وتعالى الناس عن نعمه ويعددها عليهم في هذه السورة بهذه الصور، فيذكر في أولها قوله سبحانه: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل:٥٩]، ثم يسأل الناس سؤالاً فيه استفهام، وفيه التقرير بالجواب، {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:٥٩]، والجواب عند الجميع: الله خير وأبقى سبحانه وتعالى.
ثم يعدد النعم التي أنعمها على عباده بهذه الصورة الجميلة في تقريره لنعمه سبحانه، واستفهامه استفهام إنكار على من يعبد غير الله سبحانه وتعالى: من خلق السماوات والأرض؟ قال سبحانه: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٠]، والجواب، أنه لا إله إلا الله، أي: لا يستحق أن يعبد إلا الله الذي يفعل ذلك، والذي يخلق ويرزق سبحانه وتعالى: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل:٦٠]، فيعقب وراء الاستفهام الذي مضمون الجواب فيه أنه: لا إله إلا الله، وهم يعرفون ذلك، فيقول سبحانه وتعالى مثبتاً عليهم كفرهم وشركهم: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل:٦٠]، يعدلون بالله غيره، ويعبدون غير الله مع الله، فهم قوم مشركون.
سؤال آخر: {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦١]، والجواب أنه: لا إله إلا الله، وأنه لا يستحق العبادة سوى الله وحده لا شريك له، يقول الله سبحانه معقباً: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النمل:٦١]، أي: الأكثرون منهم لا يعرفون ربهم حق المعرفة، وما قدروا الله حق قدره، وإن عرفوا ربوبيته فقد جهلوا أو تجاهلوا أمر ألوهيته سبحانه وتعالى، فهم لا يعرفون الله حق معرفته سبحانه وتعالى.
وقال في الآية الأخرى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣]، أي: الأكثرون لا يؤمنون، وقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦]، فالأكثرية من الناس على غير طريق الله سبحانه، والأكثرون يشركون بالله، ويقعون في الكفر بالله سبحانه.
ثم قال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} [النمل:٦٢]، من يفعل ذلك؟ الجواب هو الله، الفعال لما يريد، يقول الله سبحانه: {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].
أي: أنه يقل تذكر الإنسان لربه سبحانه، فهو في غفلة وسهو ونسيان، إلى أن تنزل به مصيبة فيتذكر ويقول: يا رب يا رب، وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون من دونه سبحانه، فلما نجاهم ربهم إلى البر، إذا بهم يشركون، فهم في البحر وفي الضر يوحدون الله، فإذا أنجاهم من المصائب رجعوا إلى شركهم وإلى كفرهم، وإلى دعاء غير الله سبحانه: {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].