[تفسير قوله تعالى: (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم)]
قال تعالى: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [الشعراء:٤٩]، قال فرعون: (آمَنْتُمْ لَهُ) أي: لموسى، {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الشعراء:٤٩]، فالإنسان الذي لا حجة عنده يلقي بالكلام جزافاً، ويلقي بالكلام الذي لا معنى له، ففرعون يقول ذلك لهؤلاء السحرة الذين جمعهم هو، ولم يعرفوا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولم يجالسوه قبل ذلك، بل جمعهم فرعون من أدنى الأرض ومن أقصاها، فاجتمعوا وقالوا: ننصر فرعون، قال تعالى: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:٤٠]، وقال السحرة لفرعون: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:٤١]، فهم لم يعرفوا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولم يجالسوه إلا في هذه المرة، فلما رأوا الحق معه اتبعوا الحق الذي جاء من عند ربهم سبحانه وتعالى.
فقال لهم فرعون: (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ)، وهذا كلام كذب يعرف فرعون أنه كاذب فيه، فيقول: أنتم عملتم حيلة من ورائي، فهو يريد أن يداري أمام الناس، فقد جمع الناس ليعلموا أنه كذاب، فإذا به يقول: هذا كبيرهم؛ لأنه لم يستطع أن يقول شيئاً يرد به على موسى إلا الكذب.
قال تعالى: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) فمتى كان كبيرهم؟! ومتى علمهم السحر وقد أتى من بلاد الشام إلى مصر في هذه الأيام؟! يقول فرعون مهدداً لهم: (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أي: سنفعل بكم ما ترون.
قال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الشعراء:٥٠] أي: سأقطع يد ورجل كل واحد منكم، وأصلبكم على جذوع النخل؛ لأجعلكم آية للناس.
فهذا فرعون الذي وصفه الله بأنه فرعون ذو الأوتاد، وهذه الكلمة تكررت في القرآن مرتين، فذكر الله عز وجل فرعون بهذه الصفة، وفرعون لقب لملوك مصر، واسم فرعون هذا عرفناه من كلام الذين يبحثون في التواريخ، فكل ملك من ملوك مصر يلقب بهذا اللقب: فرعون، وأما اسمه فقد ذكرنا قبل ذلك أنهم ذكروا أن اسمه: منبتاح بن رمسيس الثاني أو خليفة رمسيس الثاني، وعلماء التاريخ يبحثون في أشياء عجيبة جداً، فيصلون إلى شيء قد أثبته القرآن قبلهم، فعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وبحثوا في الآثار المصرية استخرجوا جثث القدماء المصريين والملوك، وبعد ذلك أخرجوا اللغة الهيروغليفية التي هي لغة الفراعنة، وبدءوا يدرسونها لكي يعرفوا معانيها، وتعبوا في ذلك كثيراً.
وصعد علماء الفلك إلى القمر فاكتشفوا أن القمر قد انشق يوماً من الأيام، والله عز وجل قال في كتابه: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١]، وهم يبحثون لكي يعرفوا اسم فرعون وصفة فرعون وكيف مات فرعون، فأتوا بتصديق لما قاله الله عز وجل في كتابه سبحانه وتعالى، والمسلمون لم يكونوا يعرفون أن فرعون هذا لقبه وله اسم آخر غير ذلك، وله وصف آخر غير ذلك إلا ما جاء في القرآن، وأنه فرعون، وأنه ذو الأوتاد، فإذا بعلماء الغرب الذين يبحثون يقولون: من ملوك الفراعنة من كان اسمه كذا، وبعد ذلك بحثوا في هذا الاسم، وقالوا: هذا فرعون موسى، واسمه بي نو خيو، وكانوا يتساءلون: هل هذا اسم للفرعون أم وصف للفرعون؟ فبحثوا عن معنى الكلمة حتى وصلوا إلى أن: كلمة (بي) تعني: ذو، و (إن) أو (نو) بمعنى: أل، و (خيو) أو (إخ) أو (خي) بمعنى: أوتاد، وهذه هي الكلمة التي ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه، وهذا الكلام ليس كلامنا، ولكنه كلام موجود على الإنترنت ذكره البعض من المسلمين عن دكتور من الذين تخصصوا في اللغة الهيروغليفية اسمه الدكتور علي فهمي خشيم، وذكر يحثاً طويلاً في هذا الشيء مؤداه في النهاية أنه فرعون ذو الأوتاد الذي ذكره الله عز وجل في كتابه.
وسمي ذا الأوتاد لأنه كان يضع لخصومه أوتاداً على الأرض ويكتفهم في هذه الأوتاد، أو أنه يربطهم على فروع الأشجار، ويدق لهم مسامير ويعلقهم فيها، فهذا هو فرعون ذو الأوتاد، فاسمه الذي وصلوا إليه هو منبتاح، وأنه كان خليفة رمسيس الثاني، ووصفه ذو الأوتاد، وربنا يذكر لنا فرعون ذا الأوتاد، وذكر لنا هنا أنه كان يصلب هؤلاء السحرة على جذوع النخل أو في جذوع النخل.
إن فرعون هذا ذكر الله سبحانه أنه غرق، وقد نجى الله بدنه وألقاه على نجوى من الأرض بحيث ينظرون إليه ويعرفون أن هذا فرعون الذي أغرقه الله سبحانه، وأصحاب العلوم الحديثة يكتشفون ويقولون: إن هذه فعلاً هي جثة منبتاح، وهي جثة فرعون الذي آذى موسى، والذي خرج وراء موسى وأغرقه الله، وفعلاً غرق في البحر ولم يمكث في البحر فترة طويلة حتى خرج من البحر، وهذا بناء على تحليل جثته، ونحن لا نحتاج إلى ذلك، فالقرآن يغنينا، فقد أراهم الله الآيات التي يعلم بها من يكذبه، فقد جاء القرآن بالصدق والخبر الذي لم يصلوا إليه إلا بعد ١٤٠٠ عام من نزول هذا القرآن المعجز العظيم.