[تفسير قوله تعالى:(فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم)]
قال سبحانه:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[غافر:٨٣] أي: لما جاءت الرسل هؤلاء المكذبين؛ قوم لوط، وقوم عاد، وقوم ثمود، وأصحاب الأيكة، وفرعون وجنوده، وغيرهم ممن خلق الله سبحانه، فرحوا بما عندهم من العلم، وعلم هؤلاء إنما هو الجهل، قال تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الروم:٧] هذا هو ما عندهم من العلم، فهم لا يعلمون شيئاً عن الدار الآخرة، ولا يعلمون شيئاً عن ربهم إلا ما يفترونه ويكذبونه، أما أن تأتيهم الرسل وتنبئهم وتخبرهم فيرفضون ويفرحون، ويقولون: نحن الذين عندنا العلم، تحذرهم الرسل من الموت ومن البعث فيقولون: لا يوجد بعث، قال تعالى:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}[الجاثية:٢٤]؛ لذلك ذكر الله عز وجل هؤلاء أنهم عن الآخرة هم غافلون، وأنهم لا يعلمون فهم (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ولا يعلمون شيئاً عن الآخرة، إنما غاية علمهم في الدنيا، يعلمون في الدنيا ما يصنعونه ويأكلونه ويشربونه، ولا يتجاوز علمهم الحياة الدنيا، فهذا علمهم الذي هو جهل فيهم، لا يعلمون شيئاً عن ربهم، ولا عن قدرته سبحانه، فيكذبون رسلهم؛ ولذلك أخبر سبحانه أنهم فرحوا بما عندهم من العلم، كالإنسان الجاهل إذا أتاه عالم يعلمه شيئاً يقول له: أنا أعلم كل شيء، تقول له: تعال أحفظك القرآن أو تعال أعلمك أن تقرأ القرآن، فأنت لا تعرف أن تقرأ القرآن، فيقول لك: أنا أقرأ أفضل منك، وكل إنسان يجهل شيئاً يعادي هذا الذي يجهله، وقد قيل: ومن جهل شيئاً عاداه.
كذلك هؤلاء ليس عندهم علم، فالذي عندهم هو الجهل؛ ولذلك عادوا أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام، وفرحوا بما عندهم من العلم في زعمهم من علم الدنيا، وهو الجهل بالله سبحانه وتعالى.
قال تعالى:(وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)، لقد كانوا يستهزئون بعذاب الله سبحانه وبقدرته، فحاق بهم أي: نزل بهم نزولاً وإحاطة، فقوله:(وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) أي: أحاط بهم العذاب فلم يفلتوا من عذاب الله سبحانه، ونزل بهم قدر الله سبحانه، فلم يقدروا على الهروب من ذلك.