للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون)]

قال الله سبحانه: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:٩٥].

أي: يحرم عليهم أن يرجعوا، فإذا أهلكناهم لن نرجعهم مرة أخرى إلى الدنيا.

قرئت: (حرام) وهذه قراءة الجمهور، وقرئت: (وحرم على قرية) وهي بنفس المعنى، مثل: حلال وحل، حرام وحرم.

فالجمهور يقرءونها: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} [الأنبياء:٩٥]، وأما شعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف يقرءون: (وحرم على قرية) أي: هذا محرم عليهم، إذا جاءهم العذاب فأهلكناهم فلا رجوع إلى هذه الدنيا.

إذاً: على هذا المعنى فإن قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:٩٥] كأن (لا) بمعنى: (ما) الموصولة، وكأنه حرام رجوعهم، فيكون حراماً رجوع هؤلاء الناس إلى هذه الدنيا مرة ثانية.

وهم يتمنون الرجوع عند الله سبحانه وتعالى ويقولون: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:٩٩] لكن الله يقول: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:٩٥] فحرام بمعنى: وجب ولزم عدم رجوعهم إلى الدنيا.

وهناك معنى آخر اختاره ابن عباس رضي الله عنه وهو: لا يرجعون بالتوبة، يعني: حظرنا عليهم التوبة، فالله عز وجل لا يقبل التوبة في موضعين: إذا جاء العذاب من عند الله سبحانه وعاينه الكفار فلا يقبل توبتهم.

والحالة الثانية: عند الغرغرة وخروج نفس الإنسان، وكأن المعنى على هذا: أنه حرمنا ومنعنا قبول التوبة من هؤلاء في هذا الحين، حين يرون العذاب.

قال الله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} [يونس:٩٨] لم يحصل ذلك.

{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا} [يونس:٩٨] أحسوا بأنه سيأتي العذاب بمغادرة الرسول المكان فتابوا إلى الله عز وجل قبل أن يعاينوا العذاب.

قال الله تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس:٩٨] هذه القرية الوحيدة التي حذرهم نبيهم عليه الصلاة والسلام العذاب، ثم ترك القرية وركب البحر وخرج عنهم، فإذا بهم يستيقنون أن العذاب سيأتي مادام أن النبي عليه الصلاة والسلام تركهم، فتابوا إلى الله فقبل الله عز وجل منهم.

فهذه هي القرية الوحيدة التي قبل منهم، فإذا جاء العذاب من عند الله على قرية منع عنهم قبول التوبة، فالتوبة لا تقبل إلا من الإنسان الذي يعرف أن هذا غيب، فهو لا يرى الجنة ولا يرى النار ولا يرى الله سبحانه وتعالى، ولكنه مستيقن بذلك في قلبه، فتاب خائفاً من الله، راجياً رحمته، مرعوباً ومرهوباً من ناره، هذا هو الذي تقبل منه التوبة.

فقوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:٩٥] أي: أنهم لا يتوبون، فقد منعنا عنهم التوبة في ذلك، أو منعنا القبول للتوبة حين يعاينون العذاب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>