جاء في الحديث كما في سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث الحارث بن يزيد البكري أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في قصة طويلة، وذكر الرجل:(أنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم كانت معه امرأة من بني تميم حملها في الطريق معه، -وهذا الرجل كان من بني بكر، وكان بين قومه وقومها عداوة، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! اجعل الدهناء حاجزاً بيننا وبين بني تميم، -وكأنه يريد أن يأخذ الدهناء لبني بكر الذي هو منهم، ويجعلها حاجزاً بينهم وبين بني تميم، فاستوفزت المرأة، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إلى أين تضطر مدركة؟ -أي: إذا أعطيتهم هذه الأرض التي فيها المياه ولنا فيها حاجة، فأين نذهب؟ - فنظر إليها الرجل وقال: أعوذ بالله أن أكون كوافد عاد.
وقال: إنما مثلي ومثلك كما قال الأول ماعز حملت حتفها يعني: أخذتك معي ولا أعلم ما الذي ستفعلينه معي؟ فأنت تهاجميني بعد أن عملت فيك هذا الجميل؟ فقد وضحت هي للنبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الدهناء أرض تحتاجها بنو تميم، أي: قومها، وفيها إبلهم ترعى، فعندما تجعلها لهؤلاء فأين نذهب نحن؟ وكلامها صدق، ولذلك صدقها النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وامتنع من أن يعطيه هذا الذي طلبه.
وهذا الحديث حديث حسن، وقال الحارث في حديثه: أعوذ بالله أن أكون كوافد عاد.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم منه بالقصة، ولكنه لما لم يعطه الذي يريده قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وما وافد عاد؟)، وهو أعلم منه صلوات الله وسلامه عليه، (فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عاداً لما أقحطوا أرسلوا وافدهم، إلى مكة)، فكأن هذا الموضع معروف من القديم أنه موضع بركة، وإن كان الذي رفع البيت فيه هو إبراهيم بعدهم بآلاف السنين، ولكن الغرض أن هذا المكان من عهد آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام معلوم أنه مكان البركة في الأرض.
فكان من أصابه شيء يذهبون به إلى هذا المكان، ويسألون الله سبحانه تبارك وتعالى له، فإذاً: كانوا يطلبون الرزق من الله، ويؤمنون بأن الذي خلق هو الله، ولا ينكرون هذا، وإنما يصدقون به، ويعلمون أن الخالق والرازق هو الله، وهذا هو إيمان الربوبية، وليس هو المطلوب من العباد؛ لأن الكل يعرف ذلك، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف:٨٧]، وإنما المطلوب هو التوجه بالعبادة إلى هذا الخالق العظيم سبحانه، وتوحيده في العبادة كما قال تعالى:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[المؤمنون:٢٣]، وقد أرسلت عاد وافدهم إلى هذا المكان، واسمه قيل.
ولما توجه إلى مكان مكة في ذلك الزمان ذهب إلى رجل هنالك اسمه معاوية بن بكر ومكث عنده شهراً، يسقيه الخمر وتغنيه الجرادتان، ولما مر شهر سأله معاوية: إلى أين بعثك قومك؟ فتذكر أن قومه أقحطوا ثلاث سنوات، ويطلبون الطعام والماء والمطر، فذهب إلى موضع مكة، ودعا ربه هنالك وقال: اللهم إني لم آتك لأسير لأفاديه، ولا لمريض لأداويه، ولكن اسق عاداً ما كنت تسقيه، فأنشأ الله عز وجل ثلاث سحابات سوداء، ونودي منها: اختر، فنظر إلى أشدهن سواداً وقال: هذه، فهي في نظره سوداء مظلمة، فهي مليئة بالماء، فكان فيها العذاب فقيل له: خذها رماداً رمدداً، لا تبق من عاد أحداً، فكانت عليهم ريحاً من السماء فأهلكهم الله عز وجل بها.
قال تعالى:{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}[فصلت:١٥]، ونسوا الله سبحانه تبارك وتعالى الذي لما منع عنهم المطر رجعوا يطلبون منه الغيث، ولم يعبدوه سبحانه تبارك وتعالى، ولكن استكبروا عن العبادة وطلبوا منه الرزق والماء.
قال الله سبحانه:{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت:١٥].