للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (تنزيل من الرحمن الرحيم)]

قال الله تعالى: {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:٢].

كأن هذا خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا تنزيل من الرحمن الرحيم، وذكروا غير ذلك.

والتنزيل هو مصدر من نزل تنزيلاً، فنزل القرآن من عند الله عز وجل، نزله تنزيلاً عظيماً، فيه عظمة ربنا سبحانه وتعالى في إنزال هذا القرآن من السماء إلى بيت العزة، ثم مع جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ينزل ليلاً وينزل نهاراً، وينزل في مكة وينزل في المدينة، وينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب ما يحتاج إليه الخلق، وبحسب ما يجد من أحداث.

قوله: (تنزيل) أي: نزل هذا القرآن من عند رب العالمين الذي في السماء سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:١٦ - ١٧] فنزل هذا القرآن من السماء من عند رب العالمين سبحانه الذي هو الرحمن الرحيم.

والرحمن الرحيم اسمان لله عز وجل فيهما وصف الرحمة له سبحانه وتعالى، وكلاهما على صيغة مبالغة.

(الرحمن) على وزن فعلان، و (الرحيم) على وزن فعيل، فالله عز وجل الرحمن العظيم الرحمة، وكذلك الرحيم العظيم الرحمة، والرحمن ذو الرحمة العامة بخلق الله سبحانه وتعالى، والرحيم ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين، قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣]، والرحمن لا يوصف به غير الله سبحانه، فهو عام في الإطلاق خاص في المسمى، فالله عز وجل وحده سبحانه الذي له هذا الاسم، والرحيم صفة لله عز وجل وقد يوصف بها خلقه، فيقال: فلان رحيم، والنبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، أما الرحمن فيقول: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥] يعني: لا يوجد أحد اسمه الرحمن غير الله عز وجل، لا إله إلا هو، فهو الله وهو الرحمن سبحانه لا يتسمى بذلك سواه سبحانه وتعالى.

ولذلك المشركون قالوا مغالطين للنبي صلى الله عليه وسلم: (أنت تزعم أنك تدعونا إلى التوحيد وأنت تشرك فتقول: بسم الله الرحمن الرحيم فتذكر الله وتذكر الرحمن؛ فقال الله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة) أي: من حفظها وعرف معانيها واستعملها فيما ينبغي فهذا يدخل الجنة.

إذاً: الرحمن العظيم الرحمة سبحانه وتعالى بخلقه جميعهم، والرحيم هو الذي اختصت رحمته بالمؤمنين في الآخرة، والرحمة تكون لمن مات على التوحيد ولمن لم يشرك بالله سبحانه وتعالى، قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧].

والقرآن نزل من عند الرحمن سبحانه العظيم الرحمة بجميع خلقه، لذلك أنزل الله عز وجل القرآن هداية لخلقه جميعهم، ولم يجعله مخصوصاً لطائفة دون طائفة، وإنما نزل للعالمين، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم للعالمين للناس كافة، وهو الرحيم سبحانه الذي يرحم عباده المؤمنين ويدخلهم جنته سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>