للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه)]

قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:٢٤] كأن إبراهيم ذكرهم بعبادة الله سبحانه ودعاهم دعوة طويلة، وفي النهاية ما كان جوابهم إلا الإعراض، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:١٧١].

فقوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [العنكبوت:٢٤] هذا حصر لجوابهم، فهم لم يفكروا في دعوة إبراهيم عليه السلام ولم يناقشوه، بل تشاور بعضهم مع بعض، فقال بعضهم: اقتلوه، وقال بعضهم: حرقوه؛ وأشنع وسيلة لقتل الإنسان أن يحرق بالنار.

ولذلك نهانا الله عز وجل عن ذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرنا أنه لا يحرق بالنار إلا ربها سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} [العنكبوت:٢٤] وهنا اختصر ربنا سبحانه وتعالى القصة ولم يفصلها كما فصلها في غير هذه السورة، ففي سورة الأنبياء جاء الأمر من الله عز وجل: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:٦٩ - ٧٠].

فقوله: ((فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ)) فيه بيان قدرة الله سبحانه، الأمر لا يحتاج إلى عناء ولا إلى تعب، حاشا لله سبحانه وتعالى! {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] فهم تشاوروا مع بعضهم واتفقوا على أن يشعلوا ناراً عظيمة، وأججوها حتى كانوا يبتعدون عنها حتى لا تلفحهم هذه النار، ووضعوا إبراهيم في منجنيق، ومن بعيد ألقوا بإبراهيم في النار، فإذا بالله عز وجل يأتي أمره إلى النار: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] فصارت النار جنة لإبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فرأوا أمامهم آية عظيمة، ويا ليتهم آمنوا بالله سبحانه وصدقوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام! ولكن أصروا على ما هم فيه من كفر وعناد، قال الله سبحانه: {فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} [العنكبوت:٢٤] لكن هذه الآيات لم تنفع هؤلاء الكفار {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:٢٤] أي: من كان يؤمن ومن كان في قلبه الهدى والتقى تنفعه هذه الآيات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>