[تفسير قوله تعالى:(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ولا تقنطوا من رحمة الله)]
الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد: فقال الله عز وجل في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الزمر:٥٣ - ٥٥].
هذه الآيات في آخر ربع من هذه السورة الكريمة سورة: الزمر، يقول الله عز وجل لعباده:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر:٥٣] وهذه من أرجى الآيات التي في كتاب الله سبحانه تبارك وتعالى، وقولنا: أرجى، من الرجاء، أي: الآية التي يرجو بها العباد مغفرة الله، ويرجون من ورائها رحمة الله سبحانه تبارك وتعالى.
ومن آيات الرجاء في غير هذه السورة: قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨] أي: أن الإنسان إذا وحد ربه سبحانه بالتوحيد الخالص، ولم يشرك بالله سبحانه، فيرجى له أن يغفر الله سبحانه تبارك وتعالى.
فبهذه الآيات يرجو العباد رحمة الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا ييئسون من رحمة الله، فإنه لا ييئس، ولا يقنط من رحمة الله سبحانه إلا القوم الكافرون، ولا ييئس من رحمة الله إلا القوم الخاسرون، الذين خسروا الدنيا والآخرة، أما المؤمن فلا ييئس أبداً من رحمة الله سبحانه، حتى وإن وقع في الذنوب فإنه سرعان ما يتوب، ويرجع إلى الله؛ لأنه يعلم أن له رباً يأخذ بالعفو، ويغفر الذنب سبحانه تبارك وتعالى.
وفي الآية خطاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن:{قُلْ يَا عِبَادِيَ}[الزمر:٥٣] أي: خاطب عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، وظلموا أنفسهم، وتجاوزوا في أمر الطاعة، فتركوا من طاعة الله ما تركوا، كالهجرة في سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، ففتنوا حين فتنهم المشركون، فأخبرهم أنهم إذا تابوا إلى الله؛ فإن الله يتوب عليهم.
وسبق أن هذه السورة سورة مكية، وكان نزول هذه الآية لسبب سيأتي بيانه، وإن كان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن السبب يقيناً داخل في معنى الآية عموماً.