قال الله تعالى:{وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[النمل:٦٣]، أي: أن الإنسان إذا كان في غاية الحر فإن الله يرسل رياحاً ترطب ما هو فيه، وإذا به في الشتاء ينتظر المطر ولا مطر، وفجأة تهب الرياح فينتظر البشارة من الله؛ لأن الرياح ما دامت شديدة فستسوق السحاب، وتنزل ماء على الناس، إذاً: فالله عز وجل يرسل الرياح بشارة للخلق بهطول المطر.
و (يرسل الريح)، هذه قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف، وفي القرآن كلمة:(الرياح) و (الريح)، ومن فرق بين الكلمتين فقال: إن الرياح للخير، والريح للشر فقد أخطأ فيها؛ لأنه لم يطلع على القراءات التي في كل القرآن، والتي فيها:(الرياح) و (الريح)، فقوله: إن الريح تأتي في الشر، والرياح تأتي في الخير بناء على أنه اطلع على قراءة واحدة فقط، وهي قراءة حفص عن عاصم، ولم يطلع على قراءة أبي جعفر الذي يقرأ:(الرياح) بالجمع في كل القرآن، فإذا جاءت الريح قرأها: الرياح، وهي قراءة متواترة، فالصواب: أن الريح والرياح يأتيان بالخير ويأتيان بغير ذلك.
وكلمة:(بشراً) يقرؤها بالباء عاصم فقط، ويقرؤها نافع وأبو جعفر المدنيان وابن كثير المكي، والبصريان أبو عمرو ويعقوب:(نُشُرَاً بين يدي رحمته)، بضمتين، ويقرؤها ابن عامر (نُشْراً بين يدي رحمته).
ويقرأها حمزة والكسائي وخلف الكوفيون:(نَشْرَاً بين يدي رحمته)، والنشر: من النشور، وكأنه هنا نشر الشيء بمعنى: أحياه، فيرسل الله سبحانه وتعالى الرياح لتنشر رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى، وتنزل الأمطار فيحيي بها الأرض بعد موتها، أي: ينبت الأرض، فنشرها بمعنى: رفعها وأحياها بعدما أماتها، وأغاث عباده بهذا الماء الذي نزل من السماء، و {بُشْرًا}[النمل:٦٣]، من البشارة أي: أنه يفرح عباده بذلك، فالآية عندما تقرأ بقراءتين كأن لها معنيين، وكل قراءة لها حكم من الأحكام، فهنا أرسل الله عز وجل الرياح للبشارة، وأيضاً للنشور؛ لتنشر وترفع وتحيي بفضل الله عز وجل ما أمات من نبات بإنزال المطر من السماء.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.