[الكلام على ما جاء في صحيح مسلم من تزويج أبي سفيان للنبي بأم حبيبة]
جاء حديث في صحيح مسلم من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه.
أبو سفيان أسلم متأخراً، وابنته أسلمت قبله بكثير، أما أبوها أبو سفيان وأخوها معاوية فإنما أسلما قبل فتح مكة بشيء يسير، فالمسلمون كانوا يعرفون أن هذا أبو سفيان وكان شيخ قريش، وهو أبو سفيان الذي كان حارب المسلمين يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الخندق؛ لذلك لم يكونوا يجلسون معه حتى بعدما أسلم، كانوا يعرفون أن له ما للمسلم من حق، لكن ما كانوا يقعدون إليه، وهو لم يعتد ذلك، بل كان يعتاد أنه كبير في قريش، والمسلمون لا يأبهون له ولا ينظرون إليه.
هنا هذه الرواية التي في صحيح مسلم أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن، فقال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم).
قال أبو زميل الراوي: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك؛ لأنه لم يكن يُسأل شيئاً إلا قال: نعم.
هذا الحديث حديث مشكل فهو في صحيح مسلم، ولكن فيه إشكال عند العلماء، وهو أنه كيف يقول هذا الكلام: أزوجك أم حبيبة وهي متزوجة به صلى الله عليه وسلم من قبل، وليس هو الذي زوجها، بل الذي زوجها له ملك الحبشة الذي كانت عنده.
فلذلك كان الراجح: أن هذه الجملة التي في هذا الحديث وهم من الراوي، أن أبا سفيان طلب ذلك، وإن تأول بعض أهل العلم ذلك وقالوا: إنه يريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيب نفسه، بأن يكون هو الذي يتولى أمر العقد، ولكن كيف يكون ذلك وهو عقد قد مرت عليه سنون، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم أبوها بسنين، وما كان له أن يجدد عقداً على امرأة هي زوجته صلى الله عليه وسلم.
فالصواب: أن هذا وهم من الراوي، وأن أبا سفيان رضي الله عنه قال شيئاً آخر فتوهم الراوي هذا فقاله، فالراوي يقول هنا: إن أبا سفيان قال: أزوجك من أم حبيبة، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، وهذا بعيد جداً أن يكون؛ لأنه كان قد تزوجها قبل ذلك صلى الله عليه وسلم، وهذا مشهور في السير والمغازي وفي صحيح البخاري، أن النجاشي هو الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة رضي الله تبارك وتعالى عنه.
لكن طلب أبي سفيان الثاني أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل معاوية كاتباً بين يديه فهو صحيح، إذ كان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي بعد ذلك، فكان من كتاب الوحي رضي الله عنهم.
وأبو سفيان صار له منزلة بعد ذلك بجهاده في سبيل الله سبحانه وتعالى، يعني: كونه كان كبير قريش لم يكن له كلمة عند المسلمين؛ لأنه كبير قريش في الزمن الماضي يوم أن كان مع الكفار، وبما أنه حارب المسلمين ليس له منزلة، فهو رجل مسلم الآن وليس مهاجراً، إذاً: ليست له مزية، لا هو مهاجر ولا هو مسلم قديماً.
فهنا لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، لكن لما صار مجاهداً بعد ذلك في سبيل الله سبحانه عرف المسلمون له فضله في جهاده في سبيل الله رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهذا طلبه، أنه مثلما حارب النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكون مجاهداً بعد ذلك في سبيل الله تبارك وتعالى.
وابنته أم حبيبة اسمها: رملة بنت أبي سفيان، توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بـ (٣٤)، أي: في سنة (٤٤) للهجرة.