للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة غافر: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ * إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ * إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [غافر:٥٥ - ٥٩].

في هذه الآيات يصبر الله عز وجل نبيه صلوات الله وسلامه عليه يأمره بالصبر ويخبره عما سيكون بعد ذلك من مجيء الساعة ومن حساب لهؤلاء المشركين، وأنهم لا يستوون أبداً مع المؤمنين عند ربهم سبحانه، قال تعالى: (فَاصْبِرْ)، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر المؤمنين بذلك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠].

فعودوا أنفسكم على الصبر كما أمر الله سبحانه وتعالى وكما أخبر عن الجزاء فيه، قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].

فقوله: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)، أي: مهما فعل بك هؤلاء ومهما آذوك فنفذ ما أمرك الله عز وجل به واصبر على ما أمرت به من صبر وتنفيذ لهذه الشريعة وتبليغ لدين الله سبحانه، وجهاد لهؤلاء بالسيف والسنان، وبالكلمة واللسان، وبالقلب والجنان.

وقوله تعالى: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)، أي: وعدكم الله بالنصر إن نصرتم دينه حقاً، ولا بد أن يكون، ووعد الله للمؤمنين بإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة حق، وإن الله لا يخلف الميعاد، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:٩]، ووعيد الله عز وجل للكفار بأن يعذبهم وأن يدخلهم النار حق.

ثم أمر الله نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يستغفر، وإن كان ربه سبحانه قد عصمه من الذنوب، وكأنه من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، فقال له: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)، وهذه السورة مكية، والنبي صلوات الله وسلامه عليه أعلمه ربه سبحانه بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في سورة الفتح بعد هجرته صلوات الله وسلامه عليه بست سنوات، في ذي القعدة من سنة ست في عام الحديبية، قال تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح:٢ - ٣].

فبين هاتين الآيتين سنوات طويلة، وأمر الله للنبي بالاستغفار هو أمر للمؤمنين أن يكثروا من الاستغفار مقتدين بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار حتى بعد أن أخبره سبحانه أن ذنبه مغفور عليه الصلاة والسلام، فلا يقع منه ذنب عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك كان يعد له في المجلس الواحد سبعون مرة وهو يستغفر الله سبحانه وتعالى، وقال صلى الله عليه وسلم: (إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة).

<<  <  ج:
ص:  >  >>