السورة الثامنة والعشرون من كتاب الله سبحانه وتعالى، وهي سورة القصص، وهي من السور المكية إلا آية فيها أو آيتين منها فهما مدنيتان، وفيها خصائص السور المكية من ذكر قصص القرآن، وتحدي المشركين، وذكر الأمم السابقة كيف صنعوا وكيف صنع بهم؟ وذكر العظة والاعتبار في هذه القصص العظيمة من قصص كتاب ربنا سبحانه.
ثم ذكر أمر الإيذاء الذي يكون لأولياء الله ولأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، ثم تمكين الله عز وجل بعد ذلك للمؤمنين.
عدد آيات السورة ثمان وثمانون، باتفاق القراء على هذا العدد، وفي غيرها من السور قد تزيد الآيات في العد وإن كانت الآيات هي نفسها، ولكن هنا كل أهل العد اتفقوا على أن عدد آي هذه السورة ثمان وثمانون.
بدأها الله سبحانه وتعالى بالأحرف المقطعة الثلاثة فقال:{طسم}[القصص:١]، فهي حروف مقطعة فيها التحدي للمشركين أن يأتوا بمثل هذا القرآن، والعادة أنه إذا ذكرة حروف مقطعة يذكر بعدها الإشارة إلى هذا القرآن العظيم، فقال:{طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}[القصص:١ - ٢]، وذكرنا قبل ذلك أن هذه الحروف من أسرار القرآن، يعني: مهما نذكر من حكم وموافقات بين هذه الحروف وبين السور فإننا لا نجزم بأنها جاءت من أجله، ولكن المفسرون يذكرون أشياء كلها لها وجهة من النظر، وبعضها أقوى من بعض.
فهنا كون العلة من بدء بعض السور بهذه الحروف التحدي واضح المعنى، أي: فإن هذا القرآن من الكلام العربي المركب من الأحرف التي تقرءونها فأتوا بسورة من مثله.
من العجيب في أمر القرآن العظيم أن الذين ينظرون في أسرار حروف السور يقولون: ما من سورة افتتحها الله عز وجل بأحرف مقطعة إلا كان أكثر الحروف عدداً هذه الأحرف المقطعة، إذاً: الطاء والسين والميم أكثر في هذه السورة من غيرها من الحروف.
قوله:{طسم}[القصص:١]، فيها قراءات ثلاث: قراءة أبي جعفر بالسكت عليها؛ لبيان أنها حروف وليست كلمة، فهي مكونة من حرف الطاء، وحرف السين، وحرف الميم، ولذلك إذا قرأها يقف عليها بالسكت، حتى يعلم السامع أنها أحرف وليست كلمة واحدة، وباقي القراء منهم من سيقرأ بالفتح، ومنهم من سيقرأ بالإمالة في حرف الطاء، وهم شعبة عن عاصم، وحمزة والكسائي وخلف كلهم بالإمالة، ويدغمون النون في الميم إلا حمزة فإنه يظهر النون، فيقرؤها (طسم)، بالنون مظهرة.