[تفسير قوله تعالى: (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الفرقان: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا * فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا * وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:١٧ - ٢٠].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن الحشر يوم القيامة، وعن جمع الناس فيها، وعن جمع المشركين مع من كانوا يعبدونه من دون الله سبحانه، وعن السؤال في هذا اليوم العظيم، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الفرقان:١٧]، أي: يحشر الخلق جميعهم، وإن كان ذكر هنا المشركين فقط، مع أنهم يحشرون مع المؤمنين يوم القيامة، وهو يذكر لنا هنا ما يكون من خلاف هؤلاء بين يدي الله عز وجل، قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٦]، فكيف يكون الحال يوم القيامة وقد تبرأ الناس بعضهم من بعض؟ فالوالد يتبرأ من ابنه، والابن يقول: نفسي نفسي، والزوجة تقول: نفسي نفسي، والأنبياء يقولون: نفسي نفسي، فكل إنسان يوم القيامة يقول: نفسي نفسي.
فهنا يقول الله عز وجل لهؤلاء المشركين: كيف يكون حالكم يوم يتبرأ بعضكم من بعض؟ قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} [الفرقان:١٧]، وهذه قراءة ابن كثير وحفص عن عاصم وأبي جعفر، ويعقوب، {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} [الفرقان:١٧]، بالكلام على الإفراد.
وقرأ باقي القراء بنون العظمة: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ)، وهي تعظيم للخالق سبحانه وتعالى الذي يحشرهم يوم القيامة، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الفرقان:١٧]، والحشر: الجمع، والإخراج من القبور، وضم بعضهم إلى بعض في الموقف بين يدي الله سبحانه وتعالى.
{فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان:١٧]، أي: يقول الله سبحانه، وهذه قراءة الجمهور بصيغة الإفراد، وقرأ ابن عامر (فنقول) بنون التعظيم للخالق سبحانه، وله أن يقول ذلك ويتكلم عن نفسه بنون العظمة سبحانه، قال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان:١٧].
فهنا يسأل الله سبحانه وتعالى هذه الآلهة التي عبدوها، وينطقها يوم القيامة، فينطق الحجر، وينطق الصخور، وينطق الأشجار التي كانوا يعبدونها، وينطق الإنس والجن والملائكة، وكل من عبد من دون الله سبحانه وتعالى، ويقول الله عز وجل للمسيح عليه الصلاة والسلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:١١٦].
هذا المسيح عليه الصلاة والسلام، والآلهة التي عبدوها من دون الله تنطق وتتبرأ من هؤلاء عندما يسألهم سبحانه: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان:١٧]، أي: أأنتم جعلتموهم يضلون عن سبيل الله، وعن طريق رب العالمين؟ أم هؤلاء العباد هم الذين ضلوا عن السبيل بعقولهم وببعدهم عن الله سبحانه.