[أقوال العلماء في توجيه قوله تعالى (قل إن كان للرحمن ولد)]
قوله تعالى:{إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف:٨١] للمفسرين فيها معنيان: المعنى الأول وهو الذي عليه الأكثر: أن هذا في مقام المناظرة، وفي مقام المناظرة يتنزل الخصم مع خصمه في المناظرة، فإذا ناظرك إنسان في شيء تقول: فرضنا ما تقوله صواباً فينبني عليه كذا وكذا، ويكون فيه كذا وكذا، فهذا هو الفرض الجدلي وليس الحقيقي، أي: ليس معنى أن هذا شيء صحيح، لا، بل هذا شيء لا يكون أبداً، ولكن سنفترض المستحيل، مثل ما يقول بعضهم: قال المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأجساد قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما فهو هنا في مقام التنزل في المناظرة، فيقول: الملحدون والمنكرون لوجود الإله: الأجساد تموت وتفنى ولا تبعث، وهذا يقول: إن صح قولكم فلست بخاسر؛ لأني عبدت الله، ولكن إن صح قولي بأن كان هناك بعث يوم القيامة فالخسارة عليكم أنتم.
إذاً: هنا في مقام التنزل في المناظرة يجوز أن تفترض المستحيل، وهذا المعنى عليه أكثر المفسرين، يعني: لو كان للرحمن ولد وحاشا لله أن يكون له ولد فأنا أول من يعبده، ولكن لم أفعل؛ لأنه لا يوجد للرحمن ولد وحاشا له أن يتخذ صاحبة أو ولداً.
والمعنى الآخر أو التفسير الآخر لقوله تعالى:((قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ)) قالوا: (إن) هنا بمعنى (ما) أي: ما كان للرحمن ولد، فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ للرحمن، وهذه الآية على هذا المعنى لها معنيان: الأول: أن (إن) هنا نافية بمعنى (ما).
قل ما كان للرحمن ولد، ((فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)) [الزخرف:٨١] للرحمن هذا معنى.
المعنى الثاني:((فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)) أي: أنا أول المنكرين بأن يكون للرحمن ولد.
إذاً: في قوله تعالى: ((قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)) [الزخرف:٨١] ثلاث معان: الأول: على وجه التنزل في المناظرة وعليه أكثر المفسرين: سأكون أول من يعبد هذا الولد، ولكن هذا لا يكون، لذلك لا أعبد إلا الله وحده لا شريك له.
الثاني: أن معنى: ((قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ)) أي: قل: ما كان للرحمن ولد، ((فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)) للرحمن، المثبتين لربوبيته وألوهيته سبحانه، فأعبده وحده لا شريك له.
المعنى الثالث:(قل إن كان للرحمن ولد) فأنا أول من يأنف أن يعبد غير الله، أو يزعم أن لله الولد سبحانه وتعالى.