قال الله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ}[غافر:٣٤] أي: بالحجج النقلية من ربه سبحانه وتعالى، وناقشكم بالحجج العقلية، ورأيتم ما قال لكم، {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ}[غافر:٣٤] أي: توفي يوسف النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، {قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}[غافر:٣٤] فتطاول عليكم الأمد فرجعتم إلى عبادة غير الله سبحانه، {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ}[غافر:٣٤] أي: كهذا الضلال الذي صرتم فيه وصرتم إليه {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}[غافر:٣٤] فهم قد ضلوا بعد يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وتشككوا فيما يقول، ولما مات يوسف قالوا: انتهى أمر الرسالة وأمر النبوة، ولن يأتينا رسول آخر، ارجعوا إلى عبادة غير الله سبحانه وتعالى، فتشككوا في أمرهم فعبدوا غير الله، فمثل هذا التشكك ومثل هذا الضلال الذي صاروا إليه يضل الله سبحانه وتعالى كل إنسان يسرف على نفسه بمعصية الله سبحانه وتعالى.
والإسراف: هو التجاوز للحد في معصية الله سبحانه، فالإنسان الذي يعصي ربه سبحانه ينكت الله في قلبه نكتة سوداء، فإذا عصى ثانياً فعل به هكذا، وإذا عصى ثالثاً فلا يزال يطبع على قلبه بنكتة سوداء وأخرى سوداء وثالثة سوداء حتى يصير في غفلة، فيضله الله سبحانه فلا يتبين له الهدى أبداً.
قال تعالى:{كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}[غافر:٣٤] أي: من هو متشكك في دين الله سبحانه.