ولكن كأن الكتاب الذي ينطق عليك بالحق يكون يوم القيامة، تأخذه من صحيفة الحسنات وصحيفة السيئات.
قال سبحانه:{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}[المؤمنون:٦٣]، يعني: هؤلاء الذين أشركوا بالله وكذبوا الرسول صلوات الله وسلامه عليه معرضون عن الكتاب، ومعرضون عن نصح ربنا ونصح نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وقلوبهم في غمرة، أي: مغمورة، تقول: هذا الغمر مغطٍ وجه الأرض، فالقلوب مغطاة، أي: عليها أغلفة وحجب وعماء، فهم في عماء وفي غطاء وفي غفلة وفي عماية عن القرآن، وعن هذا النصح الذي في كتب الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى:(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ).
فقلوب هؤلاء المشركين وقلوب هؤلاء الفجار والعاصين في حيرة، وفي عمى عما وصف الله عز وجل من أعمال البر، فهم عنها معرضون، فيسمعون الأمر بالصلاة ولكن القلوب غافلة، وليست حاضرة، ويسمعون الأمر بالصيام ويرون الناس صياماً في رمضان وهم مفطرون يشربون السجائر ولا يريدون أن يصوموا.
فقلوبهم في غفلة، وهم غافلون عن العقوبة التي تكون يوم القيامة وغافلون عن عذاب الله سبحانه وتعالى، وهنا يخبرنا سبحانه: أن لهم أيضاً أعمالاً من دون ذلك.
فالقلوب في غفلة عن الثواب، وهم معرضون عن الأعمال الصالحة، وأعمالهم دون الصلاح، أي: أنها من الأعمال الفاسدة والرديئة، يعني: ولهم أعمال في المعاصي رديئة وقبيحة أيضاًَ يفعلونها.
فهم في إعراض عن الطاعة وعن الصلاة وعن الصوم، وعن الأفعال التي يتسابق بها المؤمنون إلى الله عز وجل، فهؤلاء العصاة في غفلة عن ذلك، وزيادة على ذلك هم في معاص وذنوب وأعمال دون ذلك.
(هُمْ لَهَا عَامِلُونَ)، أي: من معاص ونحو ذلك، فلهم خطايا قد سجلها الله عز وجل وكتبها عليهم قبل ذلك.
قال تعالى:(وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ)، أي: نحن نعلم أنهم سيعملون معاصي، وقد كتبنا ذلك عندنا، وسيفعلون ما قلناه، فيقعون في المعاصي يوماً من الأيام فقوله:(هُمْ لَهَا عَامِلُونَ)، أي: سيعملونها.