[تفسير قوله تعالى:(ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر)]
قال الله تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ}[السجدة:٢١] أي: لنذيقنهم في الدنيا، {مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، والعذاب الأكبر: في القبر، ويوم القيامة، لكن في الدنيا لا بد أن يعذب الله عز وجل الكافر بما يبتليه من مصائب في الدنيا، ويبتليه بالحرمان، ويبتليه في الدنيا بعدم الاطمئنان، ويبتليه في الدنيا بعدم الراحة، وعدم الركون إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا بالكافر لا يستريح، فمهما أعطاه الله عز وجل في الدنيا من مال وبنين ففي قلبه عدم الراحة، وهذا عذاب في الدنيا، فأنت تلاقي الكافر يعطيه الله أموالاً جمةً، وأشياء كثيرة ولا يُحَصِّل السعادة المنشودة، وفي النهاية ينتحر؛ لأنه لا يستشعر بالراحة التي يستشعرها الفقير المسلم، فالإنسان المؤمن بالله سبحانه يستشعر بالطمأنينة مع ربه سبحانه، يقول: يا ربي! يا ربي! يقول: لا إله إلا الله، يصلي لله سبحانه، ويستشعر بأنه في راحة عظيمة جداً، ولذلك كان يقول العباد من المؤمنين: نحن في نعمة لو علم بها الملوك لقاتلونا عليها، فالمؤمنون في نعمة وفي راحة، وفي طمأنينة وفي سعادة، لو علم بها الملوك لقاتلوهم عليها، وراحة القلب تكون بذكر الله سبحانه، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨]، فالمؤمن يطمئن قلبه بذكر الله، يقول: الله، فيستريح بذلك قلبه، ويقول: لا إله إلا الله ويعلم أنه يعبد إلهاً واحداً، هو الذي ينفعه، وهو الذي يضره سبحانه تبارك وتعالى، وهو الذي يقدر على كل شيء، فيطمئن قلبه ويركن إلى ربه، ويتوكل عليه سبحانه، فيستريح من كل شيء.
يقول الله سبحانه تبارك وتعالى في هؤلاء الكفار:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى}[السجدة:٢١]، قالوا: هي مصائب الدنيا، وأسقام الدنيا مما يبتلى به العبيد، وأيضاً مما يذيق الله به الكفار من عذاب في الدنيا في جهاد مع المسلمين وغير ذلك.
وقوله تعالى:{دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ}[السجدة:٢١] عذاب النار وعذاب يوم القيامة.
قال تعالى:{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[السجدة:٢١] أي: لعلهم يتوبون إلى الله بما أذاقهم في الدنيا ويرجعون إليه.