قال تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[الحج:٧٥] في هذه الآية كأن الله عز وجل يرد على هؤلاء المشركين الذين قالوا: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:٣١]، والقريتان: مكة والطائف، فهم نظروا إلى هذين السيدين فيهما، واعترضوا كيف لا ينزل على أحدهما القرآن ونزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟! فأجاب الله سبحانه:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الزخرف:٣٢] أي: هل أنتم تقسمون لأنفسكم شيئاً أم الذي يقسم الأرزاق، ويقسم الرحمات هو الله سبحانه وتعالى؟ فهم قد عارضوا ربهم سبحانه وتعالى، وادعوا أشياء لا يحل لهم أن يدعوها، واعترضوا على نبوة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فأنزل الله سبحانه وتعالى أنه يصطفي من يشاء.
وهذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة الذي قال عن النبي صلى الله عليه وسلم:{أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}[ص:٨]، فقال الله عز وجل:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا}[الحج:٧٥] أي: يصطفي من الملائكة رسلاً يرسلهم إلى أنبيائه في الأرض، فالملك الذي ينزل من السماء إلى الأرض اصطفاه الله عز وجل واختاره واجتباه من بين الملائكة، فهو مقرب إلى الله عز وجل، وكان من أعظم ملائكة الله عز وجل جبرائيل عليه الصلاة والسلام الذي نزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء من قبله.
قال الله سبحانه:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}[الحج:٧٥] أي: ومن الناس كذلك يصطفي رسلاً، فاصطفى منهم آدم، ونوحاً، واصطفى إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، واصطفى نبينا صلوات الله وسلامه عليه وفضله على سائر الأنبياء والمرسلين بل على سائر خلقه.
قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[الحج:٧٥]، فالله سميع لأقوال عباده، بصير بمن يستحق أن يختاره من خلقه لرسالته، علام الغيوب يعلم كل شيء ولا يخفى عليه شيء.