[تفسير قوله تعالى: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله)]
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٨٤].
يخبر الله العظيم سبحانه وتعالى عن نفسه أنه في السماء إله، وفي الأرض إله، فهو المعبود يعبده أهل السماوات وأهل الأرض، فهو إله معبود في السماء ومعبود في الأرض، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج:١٨].
أي: أن كثيراً من المخلوقات يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وهذا الإنسان لو قورن بمخلوقات الله عز وجل التي تعبده فإن عدده قليل جداً، ولذلك قال الله سبحانه: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ)) أي: يسبح له ويعبده ويذعن ويطيع لله سبحانه وتعالى، ((مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ)) أي: طوعاً وكرهاً، فكل من يعقل في السماوات وفي الأرض يسجدون لله ويطيعون ويخضعون، حتى الكافر يسجد لله كرهاً، يعني: يذعن ويخشع ويفعل ما أمر به كوناً وقدراً، إذا قيل له: امرض يمرض، وإذا قيل له: مت يمت، احيا يحيا، افعل كذا من الأفعال الكونية القدرية التي تأتي للإنسان ولا حيلة له فيها، كالرزق والمرض والتعب والنصب والمشقة، فلا يقدر الإنسان أن يعصي في ذلك، وإنما يعصي الإنسان في الشيء الذي ترك له فيه الاختيار.
((وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ)) أي: هؤلاء الذين حق عليهم العذاب أطاعوا لما أمر الله عز وجل أمراً كونياً قدرياً، ولم يقدروا على الامتناع فيه، لكن لما أمر أمراً شرعياً وجعل لهم الخيرة، فإذا بهم يأبون ويعصون، فقال الله: ((وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)) أي: من يطيعون طوعاً لله سبحانه ومحبة لدين الله سبحانه وتعالى.
فقوله: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) أي: معبود يعبده أهل السماوات، ((وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)).
فهنا نقول: الله فوق السماوات، كما في حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم: (من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أين الله؟ قالت: في السماء) وقال تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:١٦ - ١٧].
فالله سبحانه وتعالى في السماء فوق السماوات، مستو على عرشه سبحانه، بائن من خلقه، محيط بكل شيء، وفوق كل شيء سبحانه، ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) أي: هو معكم بسمعه وبصره وعلمه وإرادته سبحانه وأفعاله وحكمته، ولكن أين الله عز وجل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً للمرأة: إنه في السماء سبحانه وتعالى، فقال هنا: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:٨٤]، فمقولة: الله في كل مكان هذه فيها حق وفيها باطل، الحق الذي فيها أن الله في كل مكان بسمعه وبصره وعلمه سبحانه، ولكن الله قال لنا في القرآن: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، وكررها في سبعة مواضع في كتابه سبحانه وتعالى، وأخبرنا عن العلو في آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل، وأنه سبحانه فوق العباد، وأنه سبحانه وتعالى ينزل الملائكة وينزل الكتاب سبحانه، وينزل الأمر من السماء إلى الأرض، وأنه في السماء {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، فالله عز وجل فوق سماواته وهو مع الخلق بعلمه.
إذاً: نقول: الله معنا بعلمه وسمعه وبصره، وبتأييده وقدرته وقوته سبحانه تبارك وتعالى، ونقول: الله بذاته فوق السماء سبحانه تبارك وتعالى.
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:٨٤] أي: هو الذي في السماء معبود، وفي الأرض معبود، {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٨٤] سبحانه له الحكمة العظيمة البالغة، فهو الحكيم والحكم والحاكم والمحكم وذو الحكمة سبحانه وتعالى، وهو الذي يحكم بين عباده فهو الحاكم، وهو الذي يشرع لعباده سبحانه وتعالى فهو الحكم، وهو المحكم لخلقه ولصنعته، أحكم كل شيء وأتقن كل شيء خلقه سبحانه وتعالى، وهو ذو الحكمة العظيمة البالغة، ما من شيء في كون الله إلا وله حكمة من الله عز وجل يعلمها، وإن لم يعلمها خلقه، وهو المحكم لكل أمر كونه، فلا تجد فيه زللاً، ولا تجد فيه خللاً، ولا تجد فيه شيء ينتقد.
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.