جاء أيضاً في حديث رواه البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر مصعب بن عمير وكان قد مر عليه صلى الله عليه وسلم في أحد وهو مقتول رضي الله تبارك وتعالى عنه فذكر هذه الآية.
وكان مصعب أول داعية إلى الإسلام في المدينة، حيث سبق النبي صلى الله عليه وسلم في المجيء إلى المدينة، وظل يدعو الناس في المدينة، فما ترك من بيت إلا ودخل فيه الإسلام بفضل الله ثم بسبب مصعب رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد كان جهاده وبلاؤه حسناً.
وكان مصعب في مكة شاباً فتياً غنياً عزيزاً في قومه، وكانت أمه غنية جداً، وكانت تنفق عليه رضي الله تبارك وتعالى عنه، وتعطيه مالاً كثيراً، ومع ذلك فضل أن يدخل في دين الله عز وجل، وأن يترك المال الذي كان فيه، فترك الغنى وترك الترف، ودخل في دين الله عز وجل ليبتلى ويقتل شهيداً رضي الله تبارك وتعالى عنه في يوم أحد، فقيراً ليس معه شيء إلا بردة، إذا كفنوه فيها فغطوا رأسه بدت قدماه، فإذا غطوا قدميه بدا رأسه رضي الله تبارك وتعالى عنه، فلما مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذكره وقرأ هذه الآية:({مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:٢٣])، وقال صلى الله عليه وسلم:(وأشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم).
فأمرهم بأن يزوروا شهداء أحد، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم شهداء عند الله عز وجل.
فالمعنى هنا: أن هؤلاء قضوا ما أمر عز وجل به، ووفوا لله سبحانه بعهدهم، فكان لهم الأجر العظيم عند الله، ولهم الجزاء على صدقهم، قال تعالى:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ}[الأحزاب:٢٤]، ليس من جنس طلحة فقط، بل منهم سعد بن معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه، وحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنس بن النضر، وصحابة كثيرون، كلهم قضوا ما أمر الله عز وجل به، عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وعاهدوه على الجهاد في سبيل الله، وبايعه بعضهم على الموت في سبيل الله شهداء، فكان أن وفوا لله عهدهم فأعطاهم الله الأجر العظيم.
نسأل الله عز وجل أن يحشرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هؤلاء الصحابة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.