ثم يذكر الله من نعمه على الخلق:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ}[المؤمنون:١٧]، أي: سبع سماوات طباقاً، أي: بعضها فوق بعض، وسماء فوقها سماء، ونحن تحت السماء الدنيا أي: السماء السفلى، والإنسان لم يعرف حدود هذه السماء ولكنه عرف الكواكب وعرف الأجرام، ولم ولن يصل إلى السماء التي فيها الملائكة، والتي ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن كثافتها وسمكها خمسمائة سنة، وبينها وبين التي تليها خمسمائة سنة.
وقوله:(سبع طرائق) أي: جعلها طرقاً للملائكة في هذه السماوات، والطرائق بمعنى: طارق الشيء أي: جعل بعضه فوق بعض، ومنه طارق النعل، أي: وضع نعله فوق نعل آخر، وهنا طارق السماوات أي: جعل بعضها فوق بعض، فسميت طرائق لأن بعضها فوق بعض، وسميت كذلك لأنها طرق الملائكة في السماء.
قال تعالى:{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ}[المؤمنون:١٧] فهذه السماوات العظيمة التي لا يدري الإنسان عنها شيئاً، والكون في اتساع، كما قال تعالى:{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:٤٧]، والإنسان يلهث ويجري لكي يعرف تفاصيل هذه الأشياء، ولكي يقال: إنه عالم فلك، والعلماء يقولون: إنه بيننا وبين السماء في الجزء المنظور من الأرض من ناحيتنا أكثر من أربعمائة ألف مليون مجرة، وكانوا قبل سنة يقولون: إن عددها مائة ألف مليون مجرة، أو مائة مليار مجرة، والآن تضاعف إلى أربعمائة ألف مليون مجرة، ويمكن بعد عشر سنين أن يتضاعف العدد، وكل مجرة من المجرات فيها مثل هذا العدد من النجوم والكواكب والأقمار والشموس.
وعلى الرغم من عظم هذا الكون وضخامته إلا أن الله يعلم كل ما فيه وكل تفاصيله، وهو الوحيد القادر على إدارته إدارة دقيقة سبحانه وتعالى.
قال تعالى:{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ}[المؤمنون:١٧]، أي: لم نغفل عن الخلق ولن نغفل عنه أبداً، ولكن نجازيهم يوم القيامة على ما صنعوا، ولم نغفل أيضاً عن متابعة مصالح الإنسان، فننزل عليه رزقه، ونعطيه ماءه وشربه، ونهديه وننزل عليه من السماء ما يشفيه من أمراض بدنه، وما يشفيه من أمراض قلبه، قال تعالى:{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ}[المؤمنون:١٧]، أي: في القيام بمصالح هذا الخلق فالله هو الحي القيوم سبحانه وتعالى.
كذلك:{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ}[المؤمنون:١٧]، أي: عن خلق هذه السماوات، فنحن لم نغفل عنها، ولو حصل ذلك لسقطت السماء على الأرض، ولكن الله عز وجل لا يعزب عنه شيء ولا يغفل عن شيء.